إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :589663
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

الرد على الشيخ وليد السعيدان في كلامه عن التحزب ونصرة الجماعات.

المقال
الرد على الشيخ وليد السعيدان في كلامه عن التحزب ونصرة الجماعات.
17 زائر
03-07-2025 12:51
أبو حازم محمد بن حسني القاهري

الرد على كلام الشيخ وليد السُّعَيْدان

في التحزب ونصرة الجماعات

لتحميل المقالة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

فقد وقفت على كلام للشيخ وليد السُّعَيْدان -أصلحه الله-، قال فيه:

«والله هذا من أعظم ما يفرق المسلمين اليوم وهو التحزب، وأن يقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون، فهذا سلفي وهذا إخواني وهذا سروري وهذا كذا وهذا كذا، هذا والله من أعظم ما فرق جسد الأمة الواحدة، ويا ليتها أحكام مبنية على علم وعلى هدى وبرهان، وإنما هي أحكام مبنية على التخوُّض وعلى التشفي ودرك الغيظ وإسقاط الشخصيات فقط، فضلا عن كونها مبنية على خدمة حكومات أو سياسات معينة، يسلطون بعض الدعاة على بعض فيسومونهم سوء العذاب بالأحكام لتمزيق الصف المسلم، فلا يجوز لك أن تتحزب تحزبا يفضي إلى مفسدة، فجميع التحزب والتشيع المنهي عنه في الأدلة كقول الله عز وجل: { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا }، وقول الله عز وجل: { فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }، فمتى ما رأيت الدليل ينهى عن التحزب، ومتى ما رأيت الدليل ينهى عن التشيع، فاعرف أنه التحزب والتشيع الذي يفضي إلى مفسدة خالصة أو راجحة، فإن قلت إذن لا نتحزب مطلقا، فنقول لا، لا بأس بأن نتحزب تحزبا تكامليا تعاضديا، لا تحزبا تصادميا تنافسيا، لك أن تكون من حزب الفقهاء وأنا من حزب الأصوليين، لك أن تكون من حزب الدعاة في السجون وأنا أكون من حزب الدعاة في المساجد، أليس كذلك؟ فكلٌّ منا يخدم هذا الدين بما أداه إليه اجتهاده وقدرته وطاقته، ولكن مع صفاء قلبه على من تحزب في حزب آخر، فإذن متى يكون التحزب منهيا عنه؟ يكون إذا كان يفضي إلى التصادم، فيكون همُّ هذا الحزب أن يهلك أفراد الحزب الآخر، فينسى عداوة اليهود والنصارى، وينسى عداوة أهل البدع، وإنما يكون همه كيف يهلك أخاه، هذا التحزب الذي يفضي إلى التقاطع وإلى التدابر وإلى التشاحن، وإلى امتلاء القلوب من الأحقاد والحسد والغيظ هذا تحزب محرم شرعا، وأما أن نتحزب تحزبا نقصد به خدمة الدين أصالة، وتبقى قلوبنا مع هذا التحزب متآلفة متوادة متحابة، فتحزبنا إنما هو تحزب تعاضدي تناصري تعاوني تكاملي، وليس تحزبا تصادميا تنافسيا تقاتليا تحاسديا تحاقديا، فحينئذٍ أنا أقول لا بأس بالتحزب إذا كان يفضي إلى مصلحة خالصة أو راجحة، ويحرم التحزب إذا كان يفضي إلى مفسدة خالصة أو راجحة، فإذن التعصب للقبائل من أسباب فرقة المسلمين فجاء الشرع بالنهي عنه، والطعن في الأنساب من أسباب فرقة المسلمين فجاء الشرع فنهى عنه، والتعصب لإمام متبع في الدين من أمور فرقة المسلمين فنهينا عنه، وكذلك التحزب والانقسام والفرقة في حال كونه يفضي إلى مفاسد خالصة أو راجحة أيضا من الأمور التي نهانا الشرع عنها، فطوبى لعبد جعله الله مؤلفا بين القلوب» اهـ.

رابط الفيديو:

https://youtu.be/Agkitf41u2E

وأقول: فيه أمور:

الأول -وهو أصل المسألة-: أن المسلمين في صدر الإسلام كانوا على قلب رجل واحد، ولم يكن هناك تصنيف لأحد، حتى نجمت البدع وأهلها، فحصل التصنيف، وما كان منه بُدٌّ، فصار يقال: «أهل السنة»، «الخوارج»، «المرجئة»، «القدرية»، «الشيعة»، وهلم جرًّا.

وهكذا وقع تماما في القرن المنصرم، لم تكن هناك جماعات ولا أحزاب، ثم وُجدت، وكان لكل جماعة وحزب منهج يدعو إليه، ويتميز به عن غيره، فلم يكن بُدٌّ من التصنيف -أيضا-.

فإذا قَبِلنا التصنيف القديم للمسلمين؛ فما بالنا لا نقبله الآن، والواقع واحد؟!

الثاني: تسوية الشيخ بين «السلفي» و«الإخواني» وغير ذلك: دليل على أنه لا يرى فرقا بين هذه المسمَّيات، أو: هو فرق غير جوهري -عنده-، كما جاء في كلامه بعد ذلك من ذكر الفقهاء والأصوليين، فالجماعات -عنده- ما هي إلا تخصصات دعوية، لا فرق بينها من حيث المناهج.

وهذا الكلام إما أن يكون ناشئا عن جهل بحقيقة الجماعات، أو عن علم بها.

فعلى الأول: فلا يحل لمسلم أن يتكلم في شأن لا يعرفه، وليحذر من الدخول في قول الله تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾.

وعلى الثاني: فمن عرف مناهج الجماعات، ثم لم ير بينها فرقا جوهريا، وسوى بينها وبين أهل السنة؛ فلا يخلو:

إما أن يكون جاهلا بحقيقة السنة والبدعة، وأن مناهج الجماعات مناهج بدعية مخالفة للسنة؛ فهذا أمر في غاية القبح، ولا يصح أن يصدر من داعية إلى منهج السلف -إن كان الشيخ كذلك، ولا أعرف تخصصه العلمي-، وما مثله إلا كمثل من قال: إن الأشاعرة مخالفون للسلف في باب الصفات -حسبُ-! وهم من أهل السنة فيما سوى ذلك!!

وإما أن يكون عارفا بحقائق الأمور؛ ولكنه يتكلم عن هوى؛ فليتق الله، وليحذر من الدخول في قوله: ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ﴾.

الثالث: دعواه أن تلك الأحكام والتصنيفات إنما هي بدوافع شخصية أو سياسية: دعوى غير مسموعة؛ لأن الأحكام مبنية على دين وقواعد شرعية، فالحكم على الجماعة الفلانية بأنها على غير السنة: حكم يستند إلى منهجها الذي تنتهجه، ومدى كونه موافقا أو مخالفا للسنة، وهذا أمر شرعي بحث.

وأما كون السلطة تفرح بكلامنا في «الإخوان» -مثلا-، وتؤيده؛ فنحن نعلم تماما أن هذا لدوافع سياسية؛ لكن لم يكن هذا هو المحرك الرئيسي لنا حتى نتكلم فيهم ونحذر منهم، وإنما تكلمنا ديانة، فوافق هذا تأييدا من السلطة، فما ذنبنا -إذن-؟! ولا يمكن أن نكف عن النصيحة للدين وأهله بدعوى استغلال السلطة لها!

وأفيد الشيخ -إن لم يكن عارفا- أن جماعة «الإخوان» لما نشأت عندنا بمصر، وظهر شرها وفسادها، وخصوصا بمسألة الاغتيال السياسي؛ تكلم فيهم أهل العلم ببلدنا، وعلى رأسهم: الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله-، وقال فيهم: «حركة إجرامية هدامة»، فهل كان الشيخ يتكلم بتوجيهات من السلطة؟!

نعم، لا ننكر أن بعض التجريح للأشخاص قد يكون ناشئا عن جهل، أو ظلم، أو تحامل، أو حظ نفس؛ فهذا يُنكر، ولا يُنكر أصل التجريح القائم على العلم والعدل.

الرابع: القول بأن الصراع بين الجماعات إنما هو بفعل السياسة: يشبه دعوى من يقول: الفرق الإسلامية القديمة إنما هي فرق سياسية، ما نشأت إلا بفعل السياسة! ومعلوم أن هذه الدعوى هي دعوى المبتدعة، الذي يطعنون في أهل السنة، ويرومون التقريب بين الفرق، فينبغي أن ينزه الشيخ نفسه عن موافقتهم، ومهما كان من جوابه، فهو جوابنا، فلو قال -مثلا-: تلك الفرق نشأت على عقائد وأفكار دينية؛ قلنا: وكذلك الجماعات المعاصرة -ولا فرق-.

وهنا حقيقة النزاع مع الشيخ، ومن يقول بقوله؛ فإنهم لا يعتبرون الجماعات المعاصرة من أهل البدع أصلا، فمهما جئناهم بالكلام على الفرق؛ قالوا: هذا في الفرق، وأما هذه؛ فجماعات دعوية، تسعى لخدمة الدين، وليست على مناهج بدعية!

وهذا -كما قلتُ سلفا- تغييب تام عن حقيقة السنة والبدعة، ولن أطيل الكلام في سرد ما على الجماعات من مؤاخذات تفصيلية؛ لكني سأقول -مباشرة-: الصوفية فرقة مبتدعة، وكذلك الأشاعرة، وكذلك الخوارج، أليس كذلك؟!

فمن كانت عنده نفس عقائدهم ومناهجهم، ألا يكون مثلهم؟!

فإن رُفضت هذه الدعوى، وقيل: بل هم شتان!

قلنا: فارجعوا -إذن- إلى مناهج وأفكار «الإخوان» و«التبليغ» و«الجهاد»، حتى تعرفوا -إن كنتم لا تعرفون-! فإن عرفتم، ثم رفضتم -مع ذلك- أن تكون هذه المناهج بدعية؛ فاتركوا الدعوة، وارفعوا الجهل عن أنفسكم أولا، وتعلموا: ما هي البدعة، وما هي السنة، ولا تعبثوا بعقائد المسلمين! أو -في أقل الأحوال-: تكلَّموا في الوعظ، والحلال، والحرام، ونحو ذلك، ولا تتكلموا في أمور لا تحسنونها!

الخامس: تفصيله بين التحزب الممدوح والمذموم، وقياسه ذلك على التحزب العلمي والدعوي: فيه أمور:

1-التخصصات العلمية لا تسمى «أحزابا»، ولا يُعرف هذا الاستعمال عن أحد من العلماء، حتى في المذاهب الفقهية، لا يقال: الحزب الحنفي، والحزب المالكي...الخ! وذلك لأن المتبادر إلى الذهن -غالبا- من لفظ «التحزب» هو المعنى العرفي المذموم،
لا مجرد المعنى اللغوي المنقسم إلى مدح وذم.

2-التحزب الموجود في الجماعات هو تجمُّع مبني على «بيعة»، لا مجرد تنظيم وترتيب دعوي، وما أظن الشيخ يجهل ذلك، وعليه؛ فما حكم عقد «البيعة» لغير الحاكم المسلم، وهي -عند «التبليغ» خاصة- فيها قدر زائد، وهو: البيعة على أربع طرق صوفية؟! إلا إن كان الشيخ يعتقد تلك العقيدة «القطبية»، التي هي: غياب الخلافة! ومن ثَمَّ: غياب السلطان! ومن ثَمَّ: غياب الجماعة! فهذه الجماعات -إذن- بديل لجماعة المسلمين، وخطوة على طريق إقامتها، وأمراء الجماعات قائمون مقام السلطان!

3-لو كان مجرد تجمُّع على غير بيعة؛ فلا بد أن يكون هناك ما يحصل الاجتماع عليه، ولا يكون ذلك إلا بناء على عقيدة تجمع المجتمعين، وهدف يصبون إلى تحقيقه، فرجعنا إلى القول في أفكار الجماعات وأهدافها.

السادس: قوله: «فينسى عداوة اليهود والنصارى، وينسى عداوة أهل البدع، وإنما يكون همه كيف يهلك أخاه»: لا يصدق إلا بناء على القول بأن الجماعات ليست جماعات بدعية، وقد عرَّفناك خلاف هذا، وكل من اقتنع بكون الجماعات طوائف مبتدعة -وهذا في غاية الوضوح-، وأدرك ضررها على التوحيد والسنة والجماعة -وهذا في غاية الوضوح-؛ فإنه لا يرتاب في أهمية التحذير منهم، وأن ذلك من أوجب الواجبات، ولا يقال -حينئذ-: سلم منك المشركون، ولم يسلم منك إخوانك المسلمون! كما أنه
لا يقال ذلك لأئمة السنة، الذين اشتغلوا بالرد على أهل البدع!

نعم، لا ننكر أن الواقع الآن قد صار فيه الكفار أشد خطرا وضراوة من ذي قبل، وأن ألوان إفسادهم لدين المسلمين لا تكاد تُحصى؛ لكن العلم مواهب، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فمن كان يحسن الرد على مبتدعة المسلمين، ولا يحسن معالجة الإلحاد وما إليه؛ فلا يقال له: اسكت! وانصرف لدراسة الملل والنحل والمذاهب الفكرية المعاصرة! وفي مواجهة التيارات الكفرية جهود مشهودة ومنتشرة -بحمد الله تعالى-.

وعموما: فكل داعية أدرى بواقعه، فلو كانت الصورة -مثلا- أن بلدك تعجُّ فيه الشركيات، وهي أغلب من البدع والحزبية؛ فلا يجوز المبالغة في الاشتغال بالرد على البدع على حساب الشرك، وإنما يُعطى كل شيء حقه.

السابع: دعوته إلى نبذ العصبية -فقط-، وأن يكون التجمع من باب التعاون على البر والتقوى، وتكميل كل طائفة لأختها: يردُّه واقع الجماعات الذي شرحناه، وأنها تجمعات على أصول عقدية وفكرية مجانبة للسنة ومنهج السلف، فكأن الشيخ يقول للإخواني -مثلا-: ابْقَ على منهجك وعقيدتك؛ ولكن -فقط- لا تتعصب له!

والأمر كما قلتُ سابقا: لا بد من إدراك هذه الحقيقة، ومن لا يعرفها؛ فليسكت، أو ليتعلم، ولا يجوز أبدا أن نعتبر هذه الأحزاب كالمذاهب الفقهية، أو التخصصات الشرعية التكاملية، أو اختلاف التنوع التابع لما يحسنه كل إنسان: من علم، أو عبادة، أو جهاد، أو نحو ذلك.

قد كان في الأمة الفقهاء، والمحدِّثون، والعُبَّاد، والمجاهدون، وغير ذلك؛ فهل سمعنا أن الفقهاء -مثلا- كوَّنوا حزبا، يقوم على بيعة لأمير، وعلى أفكار ومعتقدات مناهضة للسنة؟!

سارت مشرِّقةً وسرتُ مغرِّبًا شتان ما بين مشرِّق ومغرِّب

وإنما سبيل الإصلاح وخدمة الدين حقا: أن يترك المبتدع بدعته، والحزبي حزبيته، ويجتمع الكل على الكتاب والسنة ومنهج السلف، وحينئذ فمرحبا باختلاف التنوع: من يهتم بالعلم، ومن يهتم بالدعوة، وهكذا.

أصلح الله الشيخ وليدًا، وهدانا وإياه سواء السبيل.

كتبه

أبو حازم القاهري السلفي

الخميس 8/محرم/1447

   طباعة 
0 صوت