الرد على كلام الدكتور عبد السلام الشُّوَيْعِر
في موضع اليدين في القيام في الصلاة
لتحميل المقالة منسقة، وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
فقد وقفت على كلام للدكتور عبد السلام الشويعر -وفقه الله-، جاء فيه:
«وأما وضع اليدين على الصدر فمكروه لا شك فيه، والدليل على كراهته أن الحديث الذي ورد «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يضع يمناه على يسراه على صدره» أنكره الأئمة كأحمد وغيره، وعلى فرض تسليم صحة الحديث وقبوله، فنقول: إن المراد بالصدر هنا ما قابل الظهر، وليس المراد بالصدر ما قابل البطن، فيكون المراد بالصدر، أي: ما دون الصدر، ولذلك وردت عن السلف كراهية وضع اليدين على الصدر، قالوا: لأن الذي يصلي وقد وضع يديه على صدره هي صلاة اليهود، فالسنة أن يكون دون الصدر، وأكمل السنة أن يكون تحت السرة» اهـ.
الرابط:
https://youtube.com/shorts/e4-_hCjgfaY?si=LW9-DOBXcHwIvalr
وأقول: فيه أمور:
الأول: أما ضعف الحديث في وضع اليدين على الصدر؛ فهو كما قال، هذا هو الصواب، وتفصيل ذلك يطول، وإن كان قد ورد فيه ما هو خير مما رجحه -كما سيأتي-.
لكن هذا ليس معناه الجزم بالكراهة؛ لأنه لم يثبت شيء أصلا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في موضع اليدين، فلهذا قال الإمام الترمذي -رحمه الله- عقب روايته لحديث قَبِيصَةَ ابْنِ هُلْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَؤُمُّنَا، فَيَأْخُذُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ». قال الترمذي: «وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، يَرَوْنَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يَضَعَهُمَا فَوْقَ السُّرَّةِ، وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يَضَعَهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ وَاسِعٌ عِنْدَهُمْ».
وهذا التوسيع هو رواية إسحق الكوسج -كما في «مسائله» (2/551)-، وأبي طالب -كما في «بدائع الفوائد» (3/91)-، كلاهما عن أحمد، واختاره بعض الحنابلة -كما في «الإنصاف» (2/46)-.
فما دام الأمر كذلك؛ فلا يصح تعيين موضع بعينه بالكراهة.
الثاني: تأويله المذكور للصدر: فيه تكلُّف ظاهر؛ إذ لا يتصور أحد أن يكون وضع اليدين في الصلاة على الظهر حتى يقال: إنه نص على الصدر في الحديث لدفع هذا التوهم، بل الكل يعلم أن الوضع يكون على ما يقابل الظهر، فالحاجة -إذن- إنما هي لتعيين الموضع الذي يكون فيما يقابل الظهر: هل هو الصدر، أو النحر، أو غير ذلك، فجاء الحديث ليعيِّن الصدر، وينفي تلك الاحتمالات الأخرى، وهذا هو المتبادر للذهن عند سماع لفظ «الصدر»: أنه الموضع المعروف.
الثالث: ما ذكره من كراهة السلف للوضع على الصدر، وأنه صلاة اليهود: لم أقف عليه، إنما رأيتُ ذلك في الاختصار (وضع اليد على الخاصرة)، وقد روى ابن أبي شيبة، عن عائشة -رضي الله عنها-: أنها صلاة اليهود.
وعلى التسليم بأن ما ذكره الدكتور وارد عن السلف؛ فإنما هو -فيما أحسب- عن بعضهم، لا عن جميعهم -كما أطلقه الدكتور-، ولعله أراد مطلق النسبة إلى السلف.
وإنما الكراهة المذكورة هي رواية أبي داود عن أحمد -كما في «مسائله» (48)-، وظاهرٌ أن مجرد قول العالم بكراهة شيء يحتاج إلى دليل، وأما ما ذُكر أنه يستند إلى حديث: «نهى عن التكفير في الصلاة»، والتكفير هو وضع اليدين على الصدر؛ فهذا حديث لا أصل له، إن سلمنا بصحة التفسير المذكور للتكفير، ولا حاجة للبحث في ذلك.
الرابع: جزمه بأن السنة أن يكون الوضع تحت الصدر، وأن أكملها تحت السرة: هو الرواية المعتمدة عن أحمد في مذهبه [ومبلغ علمي أن الدكتور عبد السلام حنبلي]، وهو مذهب الحنفية -أيضًا-، وإن لم يعبروا بنفس تعبير الدكتور المذكور.
وحجتهم: حديث علي -رضي الله عنه-: «إِنَّ مِنَ السُّنَّةِ فِي الصَّلاةِ وَضْعُ الْأَكُفِّ عَلَى الْأَكُفِّ تَحْتَ السُّرَّةِ»، وهو حديث ضعيف جدا، رواه أحمد، وأبو داود، عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، عن علي؛ وعبد الرحمن هو أبو شيبة الواسطي، ضعيف، وقد اختُلف عليه في الإسناد، بما يؤكد عدم ضبطه لهذا الحديث، وزياد المذكور مجهول، لم يرو عنه إلا أبو شيبة هذا.
ولا يقال: يؤخذ بالضعيف إذا لم يكن هناك ما يدفعه.
لأننا نقول: هذا -إن سلَّمنا به كتقعيد- مردود هنا، بأمرين:
1-أن هذا فيما لم يشتد ضعفه، وحديث الباب واهٍ.
2-أنه قد ورد في الباب ما هو خير منه، وهو مرسل طاوس: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَشُدُّ بِهِمَا عَلَى صَدْرِهِ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ»، رواه أبو داود بسند قوي، ومراسيل طاوس جياد.
فلئن كان الأخذ بالضعيف سائغا هنا؛ فهذا المرسل أحقُّ أن يؤخذ به.
وختاما: يتبين أن تقرير الدكتور عبد السلام -وفقه الله- غير صحيح.
وأنصح من أراد أن يتفقه على مذهب الحنابلة -خصوصا- بطريقة العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-؛ فإنه كان لا يجمد على المذهب، وهذا هو الواجب في الدراسة المذهبية -كما نبَّهتُ عليه مرارا-.
ومن الجهود الطيبة التي وقفت عليها -أيضا-: «الدلائل والإشارات على أخصر المختصرات»، للدكتور عبد العزيز العيدان، والدكتور أنس اليتامى؛ فإنهما لم يتقيدا بالمذهب.
وكل قول ثبت أنه لا أصل له، أو أن دليله ساقط، في أي مذهب كان؛ فلا يحل لمن تبين له ذلك أن يفتي به، أو يعمل به.
نسأل الله التوفيق، والسداد.
كتبه
أبو حازم المصري السلفي
11/صفر/1447
|