إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :542189
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

فتوى هامة في مسألة التغلب وقتال الخوارج في الفتن الأخيرة

الفتوى
فتوى هامة في مسألة التغلب وقتال الخوارج في الفتن الأخيرة
4937 زائر
30/07/2013
أبو حازم القاهري السلفي
السؤال كامل
جواب السؤال

* يقول الأخ محمد عبد الفتاح:

يقول بعض طلبة العلم: الوضع الذي نعيشه الآن في مصر -بعد خلع مرسي- مثل ما وقع بين ابن الزبير وعبد الملك بن مروان، فلا نبايع أحدا حتى تستقر له الأمور.

ويقول أيضا: لا يجوز قتل المتظاهرين -وإن كفَّروا الجيش-؛ لأن السلف لم يفتوا بقتل الذين خرجوا على الحجاج، مع أنهم كانوا يكفرونه.

فهل هذا الكلام صحيح؟


* قال أبو حازم -غفر الله له-:

هذا الكلام المذكور كله -على الوجه الذي حكاه السائل-: كلام باطل، ليس بشيء.

أما الكلام الأول؛ فقد بيَّنتُ في الحلقتين الرابعة والخامسة من «بصائر في الفتن الأخيرة»: أن وَضْعَ المستشار عدلي منصور وَضْعُ متغلِّب، تأمَّر بقوة الجيش؛ والمغلوب لا حظ له في الإمامة، وعلى التسليم بكونه أسيرا؛ فبقاء المأسور على إمامته مرتهن برجاء خلاصه، ومرسي ليس بِمَرْجُوِّ الخلاص -لاسيما بعد تأمير غيره-.

هذا حاصل ما شُرح، وبه يُعلم الرد على الكلام المذكور.

ولعل «الطالب» المومى إليه -إن كان أمره كما وصف السائل- قد دخلت عليه الشبهة في تصوُّر التغلُّب في حق المستشار، وتأثَّر بشأن معارضيه -من «الإخوان» وأشياعهم-؛ إن كان يوافقنا في أصل الاعتبار بالتغلب.

فأقول: إنَّ تحقق التغلب في شأن المستشار أمرٌ لا يخطئه بصير؛ فإن التغلب يقاس بتحقق القدرة والشوكة، ونفوذ الأمر والنهي؛ فرجلٌ معه الجيش والشرطة، وتأتمر بأمره وتنتهي بنهيه كافة مؤسسات الدولة، ويصدر المراسيم المعمول بها، ويشكِّل الحكومة المباشرة لأمور البلاد، ويخاطَب بلقب الرئاسة -كما قال الإمام أحمد: «وسُمِّي أمير المؤمنين»-، ويتحقق مقتضى هذا كله على أرض الواقع؛ ألا يكون متغلبا من كانت هذه صفته؟!

ووجود المعارضين -بعد ذلك- يُصوَّر على أنه خروج أو بغي -كما أوضحتُ أحكام كلٍّ في الحلقة الثالثة من «البصائر»-؛ فمتى كان الخروج أو البغي على المتغلب مناوئة معتبرة له، تخرجه عن حد الإمامة، وتجعل الأمر فوضى، والزمانَ شاغرا عن الإمام؟! لاسيما إذا كان الخارجون أقل عددا ممن سواهم -كما الواقع الآن-، مع أن الخوارج أو البغاة -عموما- لا بد فيهم من متبوع وشوكة؛ فلو كان مجرد هذا قادحا في ولاية حاكم الزمان؛ لسقطت ولاية أكثر حكام الإسلام، ولضاعت أحكام الخوارج والبغاة!!

والفرق بين هذا وبين واقع ابن الزبير وابن مروان: أن كلًّا من الرجلين كان متأمِّرا على ناحية، مخاطَبا بالخلافة فيها، ومعه قوة وشوكة الإمام، والحرب بينهما منصوبة؛ فأين ذلك كله في واقع أنصار المخلوع؟!

ولعل «الطالب» المومى إليه ظن أن شوكة القوم -إن وُجدت- من جنس شوكة الإمام؛ وهذا غلط عظيم؛ بل شوكتهم من جنس شوكة الخوارج والبغاة، وقد ذكرتُ أنها لا تقدح في إمام الوقت -متى حصل له التغلب والقهر-؛ وهذا هو سرُّ المسألة، وقد أثبتناه في حق المستشار -بما لا يشك فيه من له أدنى فهم-.

وأما الكلام الثاني المتعلق بقتال الخوارج؛ فبئس الكلام! ولو أنه قال: لا يجوز قتل المتظاهرين -بإطلاق-؛ لَقَارَبَ؛ فإنهم جمعوا الخوارج والبغاة، ولكلٍّ أحكامٌ قد بيَّنتُها في الحلقة المحال إليها آنفا، وأكَّدتُ عليها قريبا في خطبة الجمعة 17/رمضان/1434؛ فلْيراجعها السائل.

وأما التنصيص على الخوارج -خاصة-، والنهي عن قتالهم؛ فمخالفٌ للنص والإجماع، وإذا كان البغاة أنفسهم يجوز قتالهم بالاتفاق -إذا كانوا صائلين-؛ فكيف بالخوارج؟! وقد علم القاصي والداني شأنهم في سيناء -خاصة-؛ أفينهى عن قتالهم من وجد للعلم والسنة رائحة؟!

وأما احتجاج «الطالب» المومى إليه بشأن الذين خرجوا على الحجاج؛ فجوابه من وجوه مختصرة، وتفصيلها في كتابي «النقض على ممدوح بن جابر»:

* أحدها: أن الذين نهوا عن قتالهم من السلف منهم من نظر إلى كونهم يقاتلون على الملك، كما في الأثر المشهور عن أبي بَرْزَة الأسلمي -رضي الله عنه-، قال: «الذي يقاتل بمكة إن يقاتل إلا على الدنيا، وهؤلاء القُرَّاء إن يقاتلون إلا على الدنيا»، ولا شك أن القتال على الملك من قتال الفتنة المأمور باعتزاله، وموطن النزاع في الذين يكفرون المسلمين، ويسلُّون السيف عليهم.

ومن السلف من ثبت عنده كفر الحجاج، فنهى عن القتال معه لأجل ذلك، ونهى عن القتال مع الخارجين لعدم استيفائهم للشروط المقررة في الخروج على الحاكم الكافر، فكان القتال -حينئذ- من قتال الفتنة المأمور باعتزاله -أيضا-، وموطن النزاع قد بيَّنَّاه.

* الثاني: أن الذين كفروا الحجاج ما كفروه إلا بأمور تستحق التكفير؛ كتفضيله الخليفة على النبي، وطعنه في نبي الله سليمان -عليه السلام-؛ وأما القوم -موطن النزاع-؛ فيكفرون بالذنب -كشأن الخوارج-.

* الثالث: أن الذين خرجوا على الحجاج عُذِروا لخفاء المسألة عليهم؛ بخلاف القوم -موطن النزاع-، وهكذا رددنا عليهم عندما احتجوا بالأولين في مسألة الخروج؛ فيلزم «الطالبَ» المومى إليه أن يعذرهم في مسألة الخروج -كما عذرهم في مسألتنا-!!

* الرابع: أن السلف إنما نهوا عامة الناس عن الدخول في القتال، وهذا لا شك فيه؛ فإن قتال الخوارج منوط بالإمام، ومن يُكلَّف بأدائه من الشرطة أو الجيش.

فالحاصل: أنه لا شك في معاملةِ خوارج العصر معاملةَ الخوارج المعروفين، الذين أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بقتالهم؛ وإلا فمن هم الخوارج؟! ومتى يجوز قتالهم؟! وكيف يُعمل بالأحاديث الآمرة بقتال الخارجين عن الطاعة ومفارقة الجماعة؟!

فإن قيل -ولعله مأخذ «الطالب» المومى إليه-: إن الإفتاء بقتل الخوارج سيبرر للسلطات قتل غيرهم من البغاة، الذين لم تُستَوْفَ شروط قتالهم.

قلت: إنما واجب المفتي مراقبة الله -تعالى-، ومراعاة الأحكام والقواعد الشرعية، وتفصيل فتواه وتحقيقها -بحسب الإمكان-، ولا عليه -بعد ذلك- من أهواء الناس أو سوء فهمهم، ولو راعينا ذلك؛ لضاعت الأحكام، وتوقفت الفتاوى، وتعطلت مصالح الخلق.

ولم يزل أهل العلم يفرقون بين الخوارج والبغاة، ويبينون مشروعية قتال الأولين، ويفصِّلون في قتال الآخرين، من غير التفات إلى أهواء السلاطين أو تجاوزاتهم.

فهكذا نقول، والتفريق العملي بين الطائفتين: هو شأن ولاة الأمور، فإن فرطوا فيه؛ فهم محاسَبون على ذلك، وأمرهم إلى الله؛ وأما معالجة هذا التفريط بإطلاق يد الخوارج في دماء المسلمين وجيشهم -من غير رقيب ولا حسيب-؛ فليس من العلم ولا السنة في شيء، وصاحب هذا المسلك يحقن الدماء -بزعمه- من جهة، ويسفكها أنهارا -من جهة أخرى-!!

وفيما نقلتُه في الحلقة المحال عليها آنفا من كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- في التفريق بين القتال المشروع والقتال الممنوع: مزيد من الإيضاح والبيان.

وقد طال الجواب -على اختصاره-؛ فلْنكتفِ بهذا القدر، والله -تعالى- أعلى وأعلم.

جواب السؤال صوتي
   طباعة