البيان ال"/>
إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :539980
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

تفريغ الخطبة الرابعة من البيان الرفيع لدين الرافضة الشنيع

المقال
تفريغ الخطبة الرابعة من البيان الرفيع لدين الرافضة الشنيع
3275 زائر
14/04/2013
أبو حازم القاهري السلفي

البيان الرفيع

لدين الرافضة الشنيع

(الخطبة الرابعة)

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1].

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].

أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهُدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فقد انتهينا -في الكلام على تاريخ الشيعة- إلى ذكر شأنهم في أيام الحسين بن علي -رضي الله عنهما-، وما وقع منهم من خِذْلان الحسين، وإسلامه لمصيره، حتى قُتل -رضي الله عنه وأرضاه-.

ثم ذكرنا ما كان -من بعد ذلك- من ظهور المختار بن أبي عبيد الكذاب، الذي ادعى النبوة ونزول الوحي عليه، وكان من شأنه ما كان من ادعاء ثأر الحسين، والانتقام له ممن قتلوه.

ثم ذكرنا ما كان من شأن علي بن الحسين زين العابدين، وأنه كان مسالمًا مؤثرًا للسلامة، لم يخض في شيء مما خاض فيه الناس آنذاك.

ومما ذكرناه في هذه المرحلة: أن مذهب الشيعة أخذ في التطور، وأنهم أخذوا يظهرون عقائدهم شيئًا فشيئًا، ويجاهرون بباطلهم شيئًا فشيئًا.

فلم يزل ذلك يتزايد ويكثر, حتى جاء زيد بن علي بن الحسين، وكان من شأنه -أيضًا- أنه خرج على ولاة الأمر -عفا الله عنه-، فأتته الشيعة تبايعه؛ ولكنهم اشترطوا عليه شرطًا، وهذا الشرط كان أول ظهوره آنذاك، ما كان يصرح به منهم أحد قط، وما كان يظهره أحد قط، ألا وهو: البراءة من الشيخين أبي بكر وعمر.

لقد عرفنا في مذهب الشيعة ونشأته: أن مؤسسه عبد الله بن سبأ أقامه على مبدأ الوصية والنص في علي، وكان من لازم ذلك: أنه رمى من اعتدى على ذلك بالظلم والعدوان؛ ولكنه لم يستطع أن يصرح في شأن أبي بكر وعمر، وإنما صرح في شأن عثمان، فكان الطعن آنذاك منصبًا على عثمان -رضي الله عنه-، مع أن العلة موجودة في حق أبي بكر وعمر، فهما أيضًا -على مذهب ابن سبأ- قد وثبا على وصي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واغتصبا حقه؛ ولكنه لم يكن يجرؤ أن يصرح بذلك، فلم يزل هذا الأمر مخفيًّا فيه وفي أتباعه، حتى صرحوا به في هذه المرحلة التي نتكلم عليها الآن.

أتوا زيد بن علي، فقالوا له: «نبايعك على أن تتبرأ من أبي بكر وعمر»، فقال: «كيف أتبرأ منهما وهما وزيرا جدي -صلى الله عليه وسلم-؟! بل أترحم عليهما، وأترضى عنهما»، فعندئذ رفضته الشيعة، واتجهت إلى أخيه محمد بن علي بن الحسين -المكني بأبي جعفر، والملقب بالباقر-، فبايعته، واعتقدت إمامته؛ وأما الذين استجابوا لزيد وكانوا معه، فهم الذين قيل لهم: «الزيدية».

ولعلكم تلاحظون في كلامي أن في هذه المرحلة ظهر اسم «الرفض» و«الرافضة»، وإنما كانوا -من قبل- يقال لهم: «شيعة».

ففي هذه المرحلة -مرحلة زيد بن علي- انقسمت الشيعة قسمين رئيسيين، وقد كانوا -من قبل- شيعًا وأقسامًا -كما عرفت-؛ ولكننا نتكلم هنا على الانقسام الظاهر الرئيسي، فكانت الشيعة آنذاك قسمين:

قسم يقال لهم: «الزيدية»؛ نسبةً إلى زيد بن علي بن الحسين.

وقسم يقال لهم: «الرافضة»، وهم الذين رفضوا زيدًا، واعتقدوا إمامة أخيه محمد.

ونحن نذكر في ذلك كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، الذي يعد خلاصةً لأقوال العلماء في هذه الجزئية.

قال -رحمه الله- في «منهاج السنة»: «وكانت الشيعة أصحاب علي يقدمون عليه أبا بكر وعمر، وإنما كان النزاع في تقديمه على عثمان، ولم يكن حينئذ يسمى أحد لا إماميًا ولا رافضيًا، وإنما سموا رافضة وصاروا رافضة لما خرج زيد بن علي بن الحسين بالكوفة في خلافة هشام، فسألته الشيعة عن أبي بكر وعمر، فترحم عليهما، فرفضه قوم، فقال: «رفضتموني، رفضتموني»، فسموا رافضة، وتولاه قوم فسموا زيدية؛ لانتسابهم إليه.

ومن حينئذ: انقسمت الشيعة إلى رافضة إمامية، وزيدية؛ وكلما زادوا في البدعة زادوا في الشر، فالزيدية خير من الرافضة: أعلم وأصدق وأزهد وأشجع» هذا آخر كلامه -رحمه الله-.

أما مسألة علي وعثمان؛ فسيأتي الكلام عليها -إن شاء الله تعالى- بعد قليل.

وأما ما يتعلق بالزيدية؛ فقد كانوا في أول الأمر كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-، وكما بيَّن أهل العلم من أصحاب المقالات وغيرهم: كانوا خيرًا من الرافضة، وأقرب منهم وأعدل؛ فلم يزالوا يتأثرون بالبدع، ويدخل فيهم الرفض، وكذلك الاعتزال؛ حتى لم يعد بينهم فرق وبين الرافضة؛ هذا هو الذي وصل حالهم إليه بعد ذلك، وهو الذي استقروا عليه حتى الآن.

والزيدية كان وجودهم الأظهر في اليمن -حتى قرون قريبة مضت-، وكان هذا الأمر معروفًا فيهم: لم يزالوا يغلون، ويتأثرون بالرفض والاعتزال؛ حتى صاروا كالرافضة تمامًا؛ قال بعض أهل العلم: بل أشنع.

فعليك أن تنتبه لهذا أيضًا: ليس هناك في الشيعة اليوم -إذا تكلمنا على الشيعة عمومًا، سواء تكلمنا على الرافضة أو الزيدية أو غيرهم-؛ ليس في الشيعة اليوم معتدل -بل من قديم-، وليس في بعضهم من هو أقرب من بعض؛ بل صار الجميع غلاةً: يطعنون في الصحابة، ويكفرونهم، ويعتقدون غير ذلك مما سيأتي الكلام فيه -إن شاء الله-.

ولمَّا كان شأن الشيعة هكذا -بالنسبة لزيد بن علي-؛ كان من شأنهم أيضًا معه: أنهم خذلوه وأسلموه لمصيره -تمامًا كما فعلوا بجده الحسين-، وهذه الحقيقة أيضًا يذكرها علماء الشيعة أنفسهم.

فذكر المسعودي في «مروج الذهب» -وهو من المؤرخين الشيعة-: أن زيد بن علي شاور أخاه أبا جعفر الباقر، فأشار عليه بأن لا يركن إلى أهل الكوفة؛ إذ كانوا أهل غدر ومكر، وقال: «بها ُقتل جدك علي، وبها ُطعن عمك الحسن، وبها ُقتل أبوك الحسين».

وذكر المفيد في «الإرشاد» -وهو يذكر زيد بن علي-: «فلما وصل إلى الكوفة، اجتمع إليه أهلها، فلم يزالوا به حتى بايعوه على الحرب، ثم نقضوا وأسلموه، فقُتل، وصلب بينهم -أربع سنين-، لا ينكر أحد منهم، ولا يعينوه بيد ولسان».

فاستمر خبثهم، واستمر غدرهم ومكرهم -حتى مع آل البيت من ذرية علي بن أبي طالب-؛ لكي تعرف هذه الحقيقة المهمة -التي سيأتي التأكيد عليها -إن شاء الله- في محله: أنهم لا يتولون آل البيت في الحقيقة، ولا ينتسبون إليهم في الحقيقة، وإنما هو كذب في كذب، حتى يروجوا مذهبهم على الناس؛ يدخلون على الناس من بابة العاطفة -كما سبق بيانه مرارًا-، يقولون: نحن أصحاب آل البيت وأحبابهم وندعو إلى توليهم؛ وهم يطعنون فيهم، وينسبون إليهم أقبح الأشياء وأشنعها، وها هو التاريخ يثبت أنهم هم الذين خذلوهم، وتسببوا في قتلهم، وغدروا بهم ومكروا، بما يدل على أفجر الشأن وأفسقه -والعياذ بالله-.

فكيف يُصدَّقون -من بعد ذلك- في توليهم لآل البيت، أو محبتهم لهم، أو دعوتهم إليهم؟! وإنما هم -كما عرفت حقيقتهم في حقيقة ابن سبأ- لا يريدون إلا هدم الإسلام، وتدميره، والقضاء عليه؛ ولكنهم يبثون هذه الشائعات، والمعتقدات التي يستترون بها؛ حتى يروجوا مذهبهم بين الناس.

هكذا كان شأن الشيعة في أيام زيد بن علي، وقد ذكرنا أنهم بايعوا أخاه محمدًا -الذي هو أبو جعفر الباقر-، وهو الإمام عند الرافضة الإمامية في ترتيب الأئمة -كما سنعرفه-.

في هذه المرحلة -كما ترى- نشأ اسم «الرافضة»، وظهر الطعن في أبي بكر وعمر، ثم لم يزل مذهب الرافضة يتطور، ولم يزل أهله يصرحون بمعتقدهم؛ حتى استوى ذلك واستقر في عهد جعفر الصادق -الذي هو ولد أبي جعفر الباقر-: فظهر الطعن في الصحابة جليًا -لاسيما الشيخين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، وظهرت الأقوال الكاذبة التي تُنسب إلى آل البيت، وظهرت -من بعد ذلك- دعوى تحريف القرآن، وتكفير الصحابة، والطعن في أمهات المؤمنين؛ وقد كانوا يعتقدون -من قبل- النص في أئمة آل البيت، وأن الإمامة لا تكون إلا بالنص؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- عندهم -وهكذا كان قول ابن سبأ قديمًا- قد نص على عليٍّ، وعليٌّ نص على الحسن، والحسن نص على فلان، وهكذا؛ ثم ادعوا العصمة في آل البيت، وأنهم الأئمة المعصومون، الذين يعلمون الغيب، والذين لا يخطئون؛ إلى غير ذلك.

فهذه الحقيقة التاريخية هي التي نريد أن نتوقف عندها الآن: في عهد أبي جعفر الباقر، وولده جعفر الصادق: ظهر اسم الرافضة، وتأسس مذهب الرفض، وظهرت قواعده وأسسه ومعتقداته، التي سنتعرض لها من بعد ذلك تباعًا -إن شاء الله تعالى-.

هذا آخر ما نريد أن نتكلم فيه في المرحلة التاريخية، التي تبين نشأة الشيعة؛ وأنا ألخص لكم القصة من أولها:

فالشيعة أولاً ظهروا من خلال عبد الله بن سبأ، الذي أقام مذهبه على ادعاء النص في علي، وادعاء الرجعة في النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن الذي وثب على عليٍّ -رضي الله عنه- ولم ينفذ خلافته: ظالم معتد، ولا بد من الانتقام منه؛ فلم يزل يصنع ذلك، حتى أدى الأمر إلى مقتل عثمان.

ثم اندست السبئية بعد ذلك في أنصار علي -رضي الله عنه-، وكان لهم ما كان من الأثر في إيقاد نار الحرب بين الصحابة -رضي الله عنهم- في وقعة الجمل، وأظهروا الغلو في عهد علي -رضي الله عنه-.

ثم -من بعد ذلك- خذلوا ابنه الحسن، وأعلن بعضهم الغلو في أبيه -رضي الله عنه-، وأنه سيرجع أيضًا، وأنه قد رُفع إلى السماء؛ إلى غير ذلك.

ثم -من بعد ذلك- غدروا بالحسين.

ثم -من بعد ذلك- بزيد بن علي.

وفي عهد زيد بن علي: ظهر مصطلح الرافضة، وصرنا نقول عندئذ: «الرافضة»، أو «الإمامية»، أو «الاثنى عشرية»؛ وإنما كانوا -من قبل- يقال لهم: «الشيعة».

وهاهنا تنبيه مهم، ذكره غير واحد من المؤرخين والمحللين، وهو:

أن الشيعة -قبل زيد بن علي- كانوا إلى الحزب السياسي أقرب من الحزب الديني، وهذا كان ظاهرًا فيما عرضناه من الحقائق؛ فقد كانوا دائمًا لهم نزعة سياسية، يريدون الوصول إلى الحكم، ويستغلون -في ذلك- الطعن في الحكام، والخروج عليهم، ويقومون بإثارة القلاقل والفتن؛ فلما لم يتم ما أرادوه، ولما كانوا ينقمعون ويُهزمون في كل وقت؛ تركوا هذه المسألة، وصار لهم اتجاه ديني، فأسسوا مذهبهم وقواعدهم ومعتقداتهم، وصاروا يفشونها بين المسلمين، ولا يصرحون بها إلا لمن يعتقدون فيه الميل إليهم وتصديقهم؛ حتى إذا نشروا هذه المذاهب بين المسلمين، وضمنوا أن يتأثر بها أكبر عدد منهم؛ وثبوا وثبتهم الكبرى، وتهيأ لهم التحكم في الناس.

هذا هو مختصر تاريخهم -كما عرضناه-، وهكذا تطور مذهبهم ونشأت معتقداتهم، التي سنتكلم فيها تباعًا -إن شاء الله تعالى- بعد ذلك.

نسأل الله العافية والسلامة من كل سوء؛ أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

* الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

نختم الكلام -إخوة الإسلام- على تاريخ الشيعة -في نشأتهم- بتتمة مهمة، تتعلق بالاعتقاد في عليٍّ -رضي الله عنه-، والتفضيل بينه وبين غيره من الصحابة -رضي الله عنهم-.

وهذه التتمة لها دور مهم -أيضا- في تاريخ الشيعة؛ حتى نعرف الفرق بين السبئية -الذين هم أصل الرافضة-، وبين من كانوا مع علي -رضي الله عنه- يناصرونه ويحبونه، من غير أن يتلبسوا بشيء من معتقدات السبئية -التي هي أصل معتقدات الرافضة-.

ونحن نبين -أولاً- معتقد أهل السنة والجماعة -وهو المعتقد الحق- في هذه المسألة:

الذي عليه أهل الإسلام والحق والسنة: أن الصحابة -رضي الله عنهم- يتفاضلون فيما بينهم، وأن أفضلهم أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب -رضي الله عن الجميع-.

فأما ما يتعلق بأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-؛ فهذا ليس فيه نزاع -حتى عند الشيعة الأوائل-، وأعني بالشيعة الأوائل: الذين كانوا مع علي -رضي الله عنه- في شأنه وخلافته، والذين كانوا يحبونه وينصرونه؛ فهؤلاء لم يختلفوا في تفضيل أبي بكر وعمر -حتى على عليِّ نفسه-؛ كما سبق معنا في كلام شيخ الإسلام -رحمه الله-، والآثار في ذلك مروية في كتب المعتقد وغيرها، وإنما تنازعوا في عثمان مع علي -رضي الله عنهما-: أيهما أفضل من صاحبه؟

والذي عليه أهل الحق -وهو ما استقر عليه مذهبهم-: أن عثمان أفضل من علي.

والحجة في ذلك: ما أخرجه البخاري من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «كنا نقول ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حي: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان؛ ثم نترك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا نفاضل بينهم».

فهكذا كان يقول الصحابة في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو الذي يقال له -عند المحدِّثين-: «المرفوع الحكمي»، أي: له حكم الرفع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو حجة -من غير إشكال-؛ لأنه لو كان الذي قاله الصحابة آنذاك باطلاً؛ لما سكت عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، والزمن زمن نزول للوحي، فلو كان ما قاله الصحابة آنذاك باطلاً؛ لأنزل الله -عزَّ وجلَّ- ما يبين ذلك.

فعثمان أفضل من عليٍّ بدلالة هذا النص، وبدلالة إجماع الصحابة -أيضًا- بعد مقتل عمر -رضي الله عنه-؛ فإنه لما طُعِن جعل الخلافة في ستة من الصحابة، وجعل أمرهم شورى بين المسلمين، فانتهى الأمر -من بينهم- إلى عثمان وعلي، فأجمع الصحابة على تقديم عثمان وتنصيبه؛ فهذه دلالة أيضًا على كونه أفضل من علي، وفي هذا قال من قال من السلف: «من قدَّم عليًّا على عثمان؛ فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار»؛ لأنهم اجتمعوا على تقديم عثمان في شأن الخلافة.

فهذا هو ما يتعلق بشأن عثمان وعليٍّ، فعثمان أفضل الرجلين -رضي الله عنهما جميعًا-.

ثم يأتي من بعده عليٌّ، يُرَبَّع به في الفضل؛ أي: عثمان هو الثالث، وعليٌّ هو الرابع بعده؛ نجزم بذلك -كما استقر عليه مذهب أهل السنة أيضًا-، والحجة فيه: ما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة»، هكذا أخبر -صلى الله عليه وسلم-، وهو الصادق المصدوق، ولا تتم عدة الثلاثين إلا بخلافة علي -رضي الله عنه-، فهذا نص من الرسول -صلى الله عليه وسلم- في تثبيت خلافة علي، وأنها خلافة صحيحة معتبرة على منهاج النبوة، وهذا يستلزم أنه أفضل من غيره من الصحابة -بعد عثمان-؛ والذي يخوض في مسألة الفضل هنا، ويخالف هذا: يتكلف في الجواب عن الحديث بأجوبة لا داعي لها مطلقًا، وقد استقر مذهب أهل السنة على التربيع بعلي -رضي الله عنه- في الفضل والخلافة -على حد سواء-.

هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، الذي دلت عليه النصوص، ودل عليه الإجماع.

وأما الشيعة الأوائل -أعني بهم: الذين كانوا مع علي، يحبونه، وينصرونه في حروبه التي خاضها، واستمروا على توليه بعد وفاته، من غير تأثر بالمعتقدات السبئية، القائمة على النص، والعصمة، والرجعة، وغير ذلك-؛ فهؤلاء كان غاية أمرهم: تقديم عليٍّ على عثمان فقط، فلم يكونوا يقدمونه على أبي بكر وعمر، ولم يكونوا يعتقدون النص فيه، ولم يكونوا يعتقدون الرجعة، ولا غير ذلك من المعتقدات السبئية.

فمن قدم عليا على عثمان من أولئك القوم: كان السلف آنذاك يسمونه غاليًا، يقولون: «غلا في التشيع»؛ هذا غاية شأنهم في هذه المسألة.

وأما السبئية، الذين ظلوا مستترين في أيام علي؛ فلم يزالوا يظهرون شيئًا فشيئًا، حتى تكامل ظهورهم في عهد زيد بن علي، فقيل لهم: «الرافضة»، وتأسس مذهب الرفض -بناءً على ذلك-، فهؤلاء هم الذين كان يقال لأحدهم: «رافضي»، وكان السلف وعلماء الجرح والتعديل يقولون: «فلان رافضي خبيث»، «رافضي مثل الحمار»، ونحو ذلك؛ يعنون: أنه على المعتقدات السبئية، التي تكامل ظهورها في أيام زيد بن علي بن الحسين.

فهذه المسألة ينبغي الانتباه إليها أيضًا؛ لأنها توضح حقيقة الرافضة، وأن مذهبهم لم يكن شائعًا حتى في أصحاب علي، الذين كانوا يتولونه، ويعتقدون فضله وإمامته -وهذا لا إشكال فيه-، وإنما كان غلوُّ من غلا منهم: في تقديمه على عثمان، فلم يكن فيهم من يقول بالرجعة، ولا النص، ولا العصمة، ولا غير ذلك من الضلالات والكفريات التي أظهرها عبد الله بن سبأ، وتكامل شأنها في شأن الرافضة -من بعد-.

فلا بد أن نعرف هذه الحقيقة -أيضا-؛ حتى نعرف أن مذهب الرفض ليس من الإسلام -في قليل ولا كثير-، وحتى نجيب عن الشبهة التي تطرح الآن:

يقولون: نحن من الشيعة، التي كانت مع علي -رضي الله عنه- تنصره وتحبه وتتولاه.

فنقول: لستم منهم -في قليل ولا في كثير-؛ فقد كان شأنهم -كما عرفت-: يحبونه وينصرونه فقط، وبعضهم يقدمه على عثمان -إذا غلا في ذلك-، وأما الرافضة؛ فعلى غير ذلك، والسبئية -الذين هم أصل الرافضة من قديم- على غير ذلك: هم الذين وضعوا النص، والرجعة، والعصمة، وطعنوا -من بعد ذلك- في الصحابة، وكفروهم، وقالوا بتحريف القرآن؛ وهو الموجود الآن عند الرافضة؛ فأي شيء من ذلك وقع في أصحاب علي -رضي الله عنه-؟!

هذا آخر كلامنا -إن شاء الله تعالى- على تاريخ الرافضة -في نشأتهم-، وسنتكلم -بعد ذلك- على معتقداتهم، وننقل نصوصهم من كتبهم؛ حتى نعرف حقيقة دينهم.

نسأل الله العافية والسلامة من كل مكروه وسوء.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم؛ وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

لتحميل الخطبة منسقة وبصيغة بي دي إف، اضغط هنا

   طباعة 
0 صوت