إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :542552
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

حكم تسلسل خطب الجمعة

الفتوى
حكم تسلسل خطب الجمعة
4355 زائر
22/01/2018
أبو حازم محمد بن حسني القاهري
السؤال كامل
جواب السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فهذا كلام في مسألة تكرر السؤال عنها، وهي: مسألة التسلسل في خطب الجمعة، بمعنى: أن يكون هناك موضوع واحد يتم تناوله في خطب متعاقبة على صورة سلسلة.

وهذه المسألة تنبني على أصلين:

* الأصل الأول: الفرق بين مناهج الدعوة ووسائلها:

فمناهج الدعوة هي: الطرق المتبعة في الدعوة نفسها، والمصادر التي تقوم الدعوة عليها؛ كالقرآن، والسنة، وكلام السلف، والقصص، والسماع.

ووسائل الدعوة هي: الطرق المتبعة في تبليغ الدعوة ونقلها للناس؛ كالكتب العلمية، وما فيها من التبويب والترتيب ونحو ذلك.

فمناهج الدعوة توقيفية، لا يجوز إحداث منهج لم يكن عليه الرسول -ﷺ- ولا السلف الصالح، ومن هنا كره العلماء القصص والسماع ونحو ذلك من المناهج المحدثة، التي تُتخذ بديلا عن القرآن والسنة وكلام السلف، وتُتخذ سبيلا للصد عن هذا المنهج الشرعي.

وأما وسائل الدعوة فليست توقيفية، فللداعية أن يحدث ما شاء من الطرق المناسبة لتبليغ دعوته، على حسب واقعه وواقع الناس من حوله؛ ومن هنا أجاز العلماء الوسائل المستحدثة للتبليغ والنقل، كالكتب والأشرطة ومكبرات الصوت ونحو ذلك.

فإذا اتضح لدينا ذلك؛ فهل التسلسل المذكور في خطب الجمعة يدخل في باب المناهج أم في باب الوسائل؟

الظاهر لدى كل متأمل أنه يدخل في باب الوسائل؛ فإنه صورة من صور التبليغ والإيصال، ليس منهجا مستقلا بديلا عن المنهج الشرعي، بل هو استعمال لنفس المنهج الشرعي؛ ولكن في صورة معينة وكيفية معينة.

* الأصل الثاني: السنة التركية:

السنة التركية هي: ما تركه النبي -ﷺ- تركا راتبا مقصودا، على سبيل التشريع، مع وجود المقتضِي وانتفاء المانع؛ مثل: ترك الأذان للعيدين.

فالترك -في هذه الحالة- سنة ملزمة، يجب اتباعها، وفعل الشيء المتروك يعتبر حينئذ بدعة ضلالة.

فهل التسلسل المذكور يدخل في ذلك، بمعنى: أنه لم يُنقل عن النبي -ﷺ- ولا عن السلف أنه فعلوا هذه الصورة، فيكون فعلها بدعة؟

الظاهر أن الأمر ليس كذلك؛ لما سبق إيضاحه أن هذه الصورة تدخل في باب الوسائل، فهذه هي نكتة المسألة.

يؤيد ذلك: أن النبي -ﷺ- لم يُنقل عنه أنه كان يقصد تفسير القرآن في خطبه -كموضوع مستقل-، ولا يعني هذا -كما هو ظاهر- المنع من هذا الأمر.

ولم يُنقل عنه -ﷺ- أنه كان يقصد الرد على المخالفين في خطبه، ومن أراد أن يفعل ذلك؛
لم يكن لأحد أن يمنعه -كما هو واضح-.

فتبين -إن شاء الله- أن التسلسل المذكور أمر جائز، لا حرج فيه.

ولتأكيد ذلك؛ نذكر أمرين:

* الأمر الأول:

أننا لو منعنا من التسلسل المذكور -على معنى الحكم ببدعيته- بداعي مخالفة السنة التركية؛ فسيلزمنا مثل ذلك في مخالفة السنة الفعلية -من باب أولى-.

والسنن الفعلية في الخطبة متعددة، منها: خطبة الحاجة، وتقصير الخطبة، وقراءة سورة «ق»، والمبالغة في رفع الصوت؛ وفي صلاة الجمعة: قراءة سورة «الأعلى» و«الغاشية»، أو «الجمعة» و«المنافقون».

ولا يقول أحد: إن ترك السنن المذكورة بدعة، وإنه يُنكر على من تركها كما يُنكر على من أحدث في الدين ما ليس منه.

* الأمر الثاني:

أن الحاجة كثيرا ما تدعو إلى التسلسل المذكور، حتى في المواضيع العامة والأصول العامة التي هي من شأن خطب الجمعة.

فلو أراد الداعية أن يتكلم في مسائل التوحيد والشرك، ويفصل في ذلك بما يتناسب مع واقع المسلمين المعلوم؛ فلن يستطيع أن يفعل ذلك في خطبة واحدة، حتى لو وضع لكل خطبة عنوانا لتصير مستقلة عن أختها، فستأتي الخطب في النهاية مسلسلة في موضوع واحد، شاء أم أبى.

وكذلك لو أراد أن يتكلم في موضوع وعظي أو أخلاقي؛ كالتوبة، أو الصدق، أو الإخلاص، أو نحو ذلك، فلو أنه أراد أن يذكر أدلته والمهم من مسائله؛ لاحتاج إلى أكثر من خطبة.

وكذلك لو أراد أن يشرح آية أو حديثا، أو يعلم الناس بعض الأحكام؛ فمعلوم أنه لا يُنهَى عن ذلك، وقد لا يستطيع أن يفي بمقصوده وبحاجة الناس في خطبة واحدة.

ففي جميع هذه الأمثلة: إما التطويل في الخطبة، والمشقة على الناس؛ وإما التسلسل.

ولو منع أحد من التسلسل بداعي مخالفة السنة التركية؛ لوقع في التطويل المخالف للسنة الفعلية، أو يكلف الداعية بالاختصار والاقتضاب، وفي هذا من التضييق ما لا يخفى.

هذا مبلغ علم الفقير إلى الله في هذه المسألة، فما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله من كل ما لا يرضيه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

جواب السؤال صوتي
   طباعة 
روابط ذات صلة
الفتوى السابق
الفتاوي المتشابهة الفتوى التالي