التحذير <"/>
إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :542282
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

تفريغ الخطبة العاشرة من التحذير من دين الخوارج وخطر التكفير

المقال
تفريغ الخطبة العاشرة من التحذير من دين الخوارج وخطر التكفير
3417 زائر
09/11/2013
أبو حازم القاهري السلفي

التحذير

من دين الخوارج

وخطر التكفير

(الخطبة العاشرة)


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].

أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهُدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

فهذا أوان معالجة الأصل الثاني، الذي يقوم عليه الانحراف في التكفير، وهو: عدم النظر في ضوابط تكفير المعين.

وسيكون مقامنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مقاما تمهيديا تذكيريا، نذكر فيه -لبُعْد العهد- بمذهب أهل الحق في مسائل الكفر.

لقد ذكرنا أن مسألة التكفير حق لله -تعالى- وحده؛ فإن الدين دينه، والشريعة شريعته، لا يحق لأحد أن يدخل فيها أحدا أو يخرج منها أحدا إلا بإذن من الله -تعالى- وحده، فالقول في مسائل التكفير -التي هي مسائل الإخراج عن الدين والشريعة- قول توقيفي، مبني على الإذن من الله -تبارك وتعالى-، فلا يجوز لأحد أن يحكم على شيء بأنه كفر إلا إذا حكم الله بذلك.

والشريعة دَلَّتْنا على أن الكفر أقسام: كفر جحود، وكفر تكذيب، وكفر إباء، وكفر شك، وكفر نفاق، وكفر إعراض.

هذه الأقسام قد دل الشرع على أنها أقسام للكفر، فمتى عادت المسألة إلى قسم من هذه الأقسام، فهي محكوم عليها بأنها مسألة كفر.

هذا هو الضابط العام: كل ما عاد إلى قسم من هذه الأقسام؛ فهو كفر؛ هذا هو ما دل عليه الشرع، وما حكم به الله -تبارك وتعالى-، لا مجال فيه لرأي أو قياس أو نحوهما.

فأما كفر التكذيب؛ فهو تكذيب الشرع، سواء جاء عن الله -تعالى- في كتابه، أو عن رسوله -صلى الله عليه وسلم- في سنته.

وكفر الجحود هو جحود الشرع، والفرق بين التكذيب والجحود: أن التكذيب يكون بالقلب واللسان، فالقلب يعتقد التكذيب، واللسان يصرح بذلك؛ وأما الجحود فهو تكذيب اللسان -دون القلب-، فيكون القلب مُقِرًّا مصدِّقا، ولكن اللسان يكذِّب؛ كما دل على ذلك قول الله -تعالى- في آل فرعون: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُواًّ﴾ [النمل: 14]، فأثبت لهم الجحود مع إثباته يقين قلوبهم، فدل على أن الجحود يكون مع استيقان القلب، ويقول الله -تعالى- أيضا: ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام: 33]، فغاير بين التكذيب والجحود، وأثبت للمشركين الثاني دون الأول، وهذا هو المعلوم من شأنهم؛ فإنهم ما كانوا يعتقدون الكذب في حق النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ بل كان لقبه عندهم قبل بعثته «الصادق الأمين»، فما اعتقدوا بقلوبهم أنه يكذب؛ ولكنهم جحدوا ما جاء به، وأنكروه وردُّوه؛ فذلك الجحود.

وأما كفر الإباء؛ فهو الاستكبار عن الانقياد لشرع الله -عز وجل-، ولا يكون ذلك إلا بردِّه على الله، واعتقاد عدم الإلزام به؛ كما صنع إبليس -لعنه الله-: أُمر بأمر، فردَّه على الله، واستكبر عن فعله والانقياد له، قال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12]، فقال الله -تعالى- في شأنه: ﴿ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34]، ففرقٌ بين هذا، وبين عدم فعل ما أمر الله به؛ فإن عدم الفعل معصية، وقد تكلمنا على هذا مفصَّلا، وبيَّنَّا أن المعصية وحدها ليست بكفر، فالمعصية شيء، والاستكبار شيء آخر.

وأما كفر الشك؛ فهو عدم اليقين بما جاء من عند الله -عز وجل-، بأن يتردد فيه العبد: أهو حق أم لا، أهو صحيح أم لا؛ فهذا شك ينافي اليقين، ولا بد من اليقين في الإيمان، فمن لم يوقن بأمر من أمور الشرع؛ فليس بمؤمن، وليس بمسلم؛ بل هو من الكافرين.

وأما كفر النفاق؛ فهو إظهار الإسلام وإبطان ضده، كما كان المنافقون الذين كانوا على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنهم كانوا يظهرون الإسلام والاستجابة للرسول، وهم في قلوبهم على ضد ذلك، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 8]، ﴿ إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ [المنافقون: 1]، فمن أظهر دين الله -تعالى- بلسانه أو جوارحه، وهو في قلبه غير مصدِّق به ولا معتقد له؛ فهو منافق نفاقا أكبر، يخرج عن الإسلام والملة.

وأما خصال النفاق التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- محذِّرا منها؛ فليست من ذلك، التي قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإذا خاصم فجر»، فهذه خصال يقال لها: خصال نفاق، أي: هي خصال من شأن المنافقين، وأخلاقهم، وسلوكياتهم؛ والذي يقع فيها يشابههم؛ ولكنه ليس منهم، ليس من المنافقين الذين يبطنون الكفر -والعياذ بالله-، والقول في هذا كالقول فيما ذكرناه من قبل من الكفر الأصغر، ونحو ذلك.

وأما كفر الإعراض؛ فهو عدم الاستجابة للرسول من الأصل، بأن يعرض العبد عن دين الله -عز وجل-، فلا يكون من أهله أصلا، ولا يستجيب له، ولا ينقاد لما يجيء من عنده؛ وهكذا كان المشركون، يصفهم الله -تعالى- بالإعراض كثيرا في كتابه، فهم معرضون عن الحجج، والأدلة، والبراهين، والحق الذي يجيء من عند الله -عز وجل-، وهم معرضون عن الاستجابة للرسول، لا يستجيبون له، ولا يؤمنون به، ولا يتبعون النور الذي أُنزل معه؛ فهذا كفر الإعراض.

فالحاصل -إخوة الإسلام-: أن كل مسألة عادت إلى نوع من هذه الأنواع المكفرة، فهي كفر.

وهذا يكون في الاعتقادات، ويكون في الأقوال، ويكون في الأعمال؛ فالكفر -كما دل عليه الشرع، وكما ذهب إليه أهل الحق- لا يكون بالاعتقاد فقط؛ بل يكون بالاعتقاد، وبالقول، وبالعمل؛ فكل اعتقاد أو قول أو عمل عاد إلى نوع من هذه الأنواع المذكورة؛ فهو كفر.

فبالنسبة للاعتقادات، إذا تكلمنا على التكذيب أو الجحود؛ يدخل في ذلك مسائل عدة:

فمن كذَّب الرسول، أو جحد ما جاء به، أو أنكر وجود الله -تعالى-، أو ربوبيته، أو ألوهيته، أو أسماءه وصفاته، أو أنكر الملائكة، أو الكتب، أو الرسل، أو اليوم الآخر، أو القدر، أو كذَّب بشيء من ذلك، أو جحده؛ فهذا كله كفر اعتقادي.

كذلك إذا تكلمنا على الاستكبار والإباء: فمن أبى الانقياد لشرع الله -تعالى- ولو في مسألة واحدة، واعتقد أنه غير ملزم بذلك، ولا مخاطَب به؛ فهو كافر، كالذي يستكبر عن الانقياد للصلاة، أو الزكاة، أو الصيام، أو الحج، أو الجهاد، أو يستكبر عن الانقياد لتحريم الزنا، أو الخمر، أو قذف المحصنات، أو نحو ذلك؛ فهذا كله كفر يعود إلى الاعتقاد.

كذلك إذا تكلمنا على الشك: فمن شك في الله -تعالى-، أو رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو دين الإسلام، أو شك في أمر أو ركن من أركان الإيمان؛ فهذا كله كفر يعود إلى الاعتقاد.

كذلك إذا تكلمنا على النفاق، والأمر ظاهر -كما أوضحت-.

كذلك إذا تكلمنا على الإعراض: من أعرض عن الاستجابة للرسول، ولم يؤمن بدين الله -عز وجل-؛ فهذا كفر يعود إلى الاعتقاد.

وكفر الإعراض له نصيب من العمل كذلك؛ ولهذا يقول فيه أهل العلم: إنه كفر بالترك، يقول العلماء: الكفر يكون بالفعل، ويكون بالترك، ويجعلون مما يدخل في كفر الترك: الإعراض، فالإعراض له نصيب من الاعتقاد، وله نصيب من العمل.

ومن المكفرات العقدية -أيضا- مما يعود إلى ما سبق: نسبة شيء من خصائص الله -تعالى- وأفعاله إلى غيره؛ كمن اعتقد أن غير الله يخلق، أو يرزق، أو يحيي، أو يميت، أو يدبر الأمر، أو يضر، أو ينفع -على وجه الاستقلال بذلك-؛ فهذا كله كفر بالله العظيم.

كذلك ما يعود إلى الألوهية؛ كمن اعتقد أن غير الله -تعالى- يستحق العبادة والقربة، وأنه يجوز أن يُتقرب إلى غير الله بالعبادة والقربة؛ فهذا إنكار لكلمة التوحيد، ومنافاة لها، ومعارضة.

كذلك ما يعود إلى الأسماء والصفات؛ كمن شبَّه الله بخلقه، والله يقول: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]، وتشبيه الخالق بالمخلوق قمة النقص، والله -تعالى- منزَّه عن النقص، ومن أثبت له شيئا منه؛ فقد كفر؛ لأنه ينتقص ربه ويسبُّه.

ومن المكفرات العقدية -أيضا-: عدم تكفير من كفره الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فالله -سبحانه وتعالى- حكم على كل من لم يؤمن بدينه أنه كافر، فكل من ليس بمسلم فهو كافر، من يهودي، أو نصراني، أو بوذي، أو غير ذلك من ينتسبون إلى ملة أو نحلة؛ فكل هذا ليس من الإسلام بسبيل، وليس من الإيمان بطريق، ولا يمكن أن يوصف من وقع في ذلك بالإسلام أو الإيمان؛ بل لا بد من الحكم عليه بالكفران، فمن لم يكفر هؤلاء؛ فهو مناقض لخبر الله -عز وجل-، كيف يكفر الله -عز وجل- أحدا، ثم لا تكفره أنت؟! يقول -تعالى-: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ [المائدة: 17]، ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ ﴾ [المائدة: 73]، فكيف يأتي -من بعد ذلك- من يقول: ليس بكفار؟! هذا تكذيب لخبر الله -تعالى- أو جحود له، وهذا من أنواع الكفر.

كذلك من المكفرات العقدية -وهو عائد إلى الإعراض-:اعتقاد عدم وجوب اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-، والمقصود: أن يعتقد إنسان أنه يسعه ترك اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- والتقيد بسنته، وأن يُدَّعي في خلاف الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن سنته تُتَبَّع، وأن هديه يُقتفَى، فضلا عما إذا فضَّل شيئا من ذلك على هدي النبي وسنته، أو فضَّل شيئا من حكم غير الله على حكمه، والله -تعالى- يقول: ﴿ أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50]، وهذا موجود -للأسف-، كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام يعتقدون أنه لا وجوب لاتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه يسعهم ترك سنته وهديه وشريعته، ويتبعون طرقا أخرى، أو سننا أخرى، أو مناهج أخرى، ويقولون: إن الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلق!! فمن عبد الله على اليهودية فهو مصيب!! ومن عبده على النصرانية فهو مصيب!! ومن عبد العجل -يريد عبادته- فهو مصيب!! وهكذا -نسأل الله السلامة والعافية-، هذا كله كفر بواح.

ومن المكفرات العقدية -أيضا-: بغض شيء من دين الله -عز وجل-، من أبغض شيئا مما جاء من عند الله، أو رسوله -صلى الله عليه وسلم-، من أبغض شيئا مما ثبت في دين الله -تعالى- وشريعته بأمر ظاهر معلوم؛ فإن البغض ينافي الانقياد، وينافي المحبة التي هي من أصل الإيمان والإسلام، وهذا لا يكون في قلب مؤمن أبدا، لا يكون المؤمن إلا محبا لما يجيء في دينه، متلقيا له بالقبول والتسليم، ظانا بربه -تعالى- ظنا حسنا، وبرسوله -صلى الله عليه وسلم- كذلك؛ فإذا جاء أمر من عند الله أو من عند الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ثم أبغضه إنسان؛ فكيف يتفق هذا مع إيمانه وإسلامه؟! كالذي يبغض تحريم المحرمات، وإيجاب الواجبات، كمن أبغض تحريم الزنا، وقال: لماذا تحرمونه؟! هو من الحرية الشخصية!! ولا تضيقوا على الناس!! ولماذا لا تكونون كالدول المتقدمة -بزعمه-؟! فهذا بغض لما يجيء في دين الله -تعالى-، لا يجتمع مع الإيمان أبدا؛ كذلك من أبغض أحكام الله -تعالى- فيما يتعلق بالحدود والعقوبات، فضلا عما إذا تنقصها أو استهزأ بها -كما سننوِّه عليه-؛ فهذا كله ليس من الإيمان أبدا، وهو من مسائل الكفر وأنواعه، فلا بد أن يُنتبه لذلك.

ومن المكفرات العقدية -وبه نكتفي-: إنكار شيء من الواجبات الظاهرة، أو استحلال شيء من المحرمات الظاهرة، وقد تكلمنا على ذلك؛ فمن أنكر واجبا ظاهرا معلوما من الدين بالضرورة، أو استحل محرما ظاهرا معلوما تحريمه من الدين بالضرورة؛ فهذا يكفر، ويخرج عن ملة الإسلام؛ لأنه يناقض خبر الله -تعالى- كما سبق شرحه-.

فهذه أنواع من كفر الاعتقاد؛ نسأل الله -تعالى- أن يعيذنا من الكفر كله.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

* الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ننتقل بعد ذلك -إخوة الإسلام- إلى الكلام على المكفرات القولية، فإن من الأقوال ما هو كفر -إذا عاد إلى نوع من الأنواع التي ذكرناها-.

ونقدِّم بالتنويه على شيء، وهو: أنه لا يُبحث في المكفرات القولية والعملية عما في داخل القلب، فمن وقع في مكفر قولي أو عملي؛ فإنه لا يُسأل عما بقلبه، لا يُسأل عن اعتقاده، ولا يُسأل عن استحلاله، ومن فعل ذلك؛ فهو خاطئ، على غير السنة والسبيل؛ بل هذا مذهب الجهمية الضالين، الذين يحصرون الكفر في انتفاء المعرفة أو التصديق أو نحوهما؛ فانتبه.

ولكن يُبحث في أشياء أخرى؛ كما سننوِّه عليه -إن شاء الله تعالى- في شروط التكفير وموانعه، وأما قضية ما في القلب من العقيدة أو الاستحلال أو نحو ذلك؛ فهذا لا يُبحث فيه عند البحث في المكفرات القولية والعملية.

فمن المكفرات القولية: سَبُّ الله، أو رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو دين الإسلام؛ فمن سب الله -عز وجل-، أو رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو دين الإسلام؛ فليس من أهل الإسلام؛ لأن السب يتنافى مع التعظيم والمحبة، وفيه تنقص وعداوة، وتنقُّصُ الله -تعالى- أو رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو دين الإسلام لا يمكن أن يكون عند مؤمن أبدا.

ومن المكفرات القولية -أيضا-: الاستهزاء بشيء من ذلك، والاستهزاء هو السخرية والتنقص، فمن استهزأ برب العالمين، أو رسوله الأمين -صلى الله عليه وسلم-، أو دينه العظيم؛ فقد خرج من ملة الإسلام، ولم يعد من أهلها؛ فالحذر الحذر؛ لأن كثيرا ممن ينتسب إلى الإسلام -للأسف- يقع في شيء من ذلك -وهو يخوض ويلعب-، فمثله كمثل من قال الله فيهم: ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ . لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 65-66]؛ فالحذر الحذر، لا يجوز الاستهزاء برب العالمين، أو رسوله الأمين، أو دينه العظيم، في خوض أو لعب أو هزل أو نحو ذلك؛ هذا خطر كبير، فاتقوا هذه الأشياء، واتقوا أهلها، واحذروا دعاة العلمانية الخبثاء، وقد اقترب وقتهم، والله المستعان عليهم وعلى غيرهم.

ومن المكفرات القولية -أيضا-: دعاء غير الله -عز وجل- دعاءَ عبادة، فمن دعا غير الله -تعالى- دعاء عبادة، فصرف إليه شيئا من القربة بقوله، أو ناداه في أمر لا يقدر عليه إلا الله؛ فهذا كله كفر؛ لأنه صرف للعبادة إلى غير الله -عز وجل-، وهو ما يناقض كلمة التوحيد -كما عرفت-.

كذلك من استغاث بغير الله في أمر لا يقدر عليه إلا الله؛ فالأمر فيه كذلك، وقد تكلمنا على مسائل التوحيد -والحمد لله تعالى- من قديم.

ومن المكفرات القولية -أيضا-: ادعاء علم الغيب، فمن ادعى أنه يعلم الغيب؛ فهو كافر؛ لأن هذا الأمر من خصوصيات الله -تبارك وتعالى-، ﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: 34]، ﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ﴾ [الأنعام: 59]، وقد نفى الله -تعالى- علم الغيب حتى عن أنبيائه ورسله، فإنهم لا يعلمون شيئا من الغيب إلا ما أعلمه الله إياهم، يقول -تعالى-: ﴿ عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً . إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ﴾ [الجن: 26-27]، ويقول -تعالى- مخاطبا نبيه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَراًّ إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ﴾ [الأعراف: 188]، فحتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وجميع الأنبياء والمرسلين لا يعلمون الغيب -على وجه الاستقلال-، وإنما يعلمون الأشياء التي يعلمهم الله -تعالى- بها، أما ما سوى ذلك؛ فلا؛ فكيف بشخص هو من خلوف الناس، يأتيك يدجِّل عليك، ويشعوذ عليك، ويقول: أنا أعلم ما في غد!! أي شيء هذا؟! هذا من الكهان إخوان الشياطين، لا يُصدَّق في صغير ولا كبير، وتصديقه في ذلك عظيم، فمن صدق أحدا في دعوى الغيب؛ فهو كافر، لا بد أن يُعرف هذا -أيضا-، فاحذروا.

كذلك من المكفرات القولية:دعوى النبوة، فمن ادعى النبوة بعد محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد كفر، وخلع ربقة الإسلام من عنقه، ومن صدَّقه في ذلك واتبعه؛ فهو مثله، فلا مجال في الإسلام -إذن- لمن يقال لهم: «بهائية»، أو «قاديانية»، أو «أحمدية»، لا مجال في الإسلام لشيء ولا أحد من هؤلاء؛ محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء، لا بد أن يُؤمن بذلك، ولا بد أن يُعتقد، فمن خالف هذا؛ فليس من أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-، وليس من أهل الدين الذي بُعث به محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ نسأل الله أن يكفينا شر هؤلاء.

ننتقل -بعد ذلك- إلى المكفرات العملية، وهي كثيرة، منها: الذبح لغير الله، والنذر لغير الله، والسجود لغير الله، والطواف بغير بيت الله؛ لأن هذه الصور جميعا صرفٌ للعبادة إلى غير الله، وقد عرفتَ القاعدة في ذلك.

ومن المكفرات العملية -أيضا-: قتل الأنبياء؛ كمثل ما كان عليه اليهود -لعنهم الله-، فهم قتلة الأنبياء في كل حين، والله -تعالى- ذكر هذا الفعل عنهم كثيرا في كتابه، وأخبر أن هذا من موجبات كفرهم، وضلالهم، وخروجهم عن دين الله -عز وجل-.

كذلك من المكفرات العملية: إهانة شيء من شعائر الله -عز وجل- بالفعل؛ كمثل من وطئ مصحفا، أو ألقاه في القاذورات والنجس، أو أهان الكعبة، لطَّخها بشيء من النجس -مثلا-، أو فعل نحو ذلك مما يصدق عليه أنه إهانة؛ فهذا كله يتعارض مع التعظيم والمحبة، ويُخرج الإنسان إلى سنن الكفر -والعياذ بالله-.

كذلك من المكفرات العملية -وبه نكتفي-: السحر، فالسحر كفر، ومن تعاطاه فهو كافر؛ لقول الله -تعالى-: ﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾ [البقرة: 102]، فجعل سبب كفرهم تعليمهم السحر للناس، فالساحر كافر، يستعين بالشياطين، ويصرف إليهم العبادة من دون الله -عز وجل-، ويصدقهم في دعوى الغيب، ونحو ذلك؛ فهذا كله ليس من الإسلام أبدا.

وفي الختام نقول محذِّرين -كما قال أهل العلم-: إن نواقض الإسلام كثيرة، وإن المكفرات كثيرة، أكثر من ثلاثمائة، بحسب تنوع المسائل وتشعبها وكثرتها، والضابط العام هو ما أوضحناه.

فالحذر الحذر -عباد الله-؛ فإن الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله -تعالى- لا يلقي لها بالا، تهوي به في النار سبعين خريفا؛ فالعلم العلم، والحذر الحذر، والتمسك التمسك بما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبما بيَّنه لنا ربنا -سبحانه وتعالى-، علينا أن نتمسك بذلك، ونثبت عليه، ولا يجوز لنا أن نزيغ عنه، والفتن كثيرة، والدعاوى كثيرة، وستنفتح أبوابها على مصاريعها؛ نسأل الله السلامة والعافية من كل سوء وبلية؛ فالثبات الثبات، والتمسك التمسك؛ أن يخرج أحد من دينه -وهو لا يشعر-.

والانحراف في التكفير هاهنا -عباد الله- يأتي من النظر فيما ذكرناه من المكفرات، وتطبيقها على الأعيان، فليس المحذور في نفس الحكم على ما ذكرناه أنه كفر، فالذي يقول -مثلا-: إن عبادة غير الله -تعالى- كفر، لا نعارضه في ذلك، ولا نقول: إنه منحرف في التكفير؛ ولكن الانحراف في هذا الباب يأتي من تنزيل هذه الأحكام على الأفراد، بأن يُكفر زيد أو عمرو أو بكر -بعينه-، بمجرد وقوعه في شيء مما ذكرناه، فهذا هو الانحراف الذي نبيِّنه، ونحذِّر منه، ونؤكِّد على مخالفته للصراط المستقيم.

فالذي عليه أهل الحق -أيها الإخوة-: أنه لا بد من الفرق بين الأحكام العامة، وبين الأعيان، لا بد من الفرق بين الإطلاق وبين التعيين، يقال: من فعل كذا فهو كافر، ومن قال كذا فهو كافر، ومن اعتقد كذا فهو كافر؛ لكن تنزيل هذه الأحكام على المعيَّنين لا بد فيه من قيام للحجة، ولا بد فيه من استيفاء للشروط وانتفاء للموانع، وهو ما نشرحه -إن شاء الله تعالى- في الجمعة المقبلة؛ نسأل الله -تعالى- أن يوفقنا وإياكم لكل خير.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

أقول ما تسمعون، ويغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

لتحميل الخطبة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا

   طباعة 
0 صوت