إبحث في الموقع
البحث في
عدد الزوار
انت الزائر :542278
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0الزوار :
تفاصيل المتواجدون

نصرة النبي صلى الله عليه وسلم بين الاتباع والابتداع

المقال
نصرة النبي صلى الله عليه وسلم بين الاتباع والابتداع
4596 زائر
12/05/2013
أبو حازم القاهري السلفي

نصرة النبي -صلى الله عليه وسلم-

بين الاتباع والابتداع[1]

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].

أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهدى هدى محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد؛ فإن الله -جل وعلا- يقول في حق نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم-: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 157].

ويقول -تبارك وتعالى- مخاطبًا إياه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ [الفتح: 8-9].

لقد اشتملت هاتان الآيتان على جامع حق النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- على أمته، فحقه -صلوات الله وسلامه عليه- في الإيمان به، واتباع النور الذي أنزل معه، وتعظيمه، وتوقيره، وتعزيره، ونصرته، والذب عنه، والتمسك بسنته وشريعته في كل شيء.

وتجد في الآية الأولى أن الله -تعالى- أوجب هذا الحق -أيضًا- على غير أمة الإجابة، فخاطب أهل الكتاب، وذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مكتوب عندهم، مبشَّر بمجيئه لديهم، وذكر من صفته التي توجب اتباعه والإيمان به ما يحصل به ذلك -لكل ذي قلب وعقل-، ثم خاطبهم بوجوب الإيمان به، واتباعه، وتعظيمه، ونصرته؛ وعلَّق الفلاح على ذلك.

فكيف بمن أعرض عن الإيمان به واتباعه، ثم جاوز ذلك إلى النيل منه، والطعن فيه وفي عرضه، وسَبِّه، وشتمه، وتقبيحه بكل مُشِين؟!!

لقد تابع المسلمون جميعًا -بكل الأسى- ما حصل من اعتداء جديد على عرض النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا ليس بغريب على العُلُوج الكفرة، الذين يحاربون الله ورسوله في كل وقت وحين، وليس بغريب -أيضاً- في واقع المخططات والمكايد، التي تتطور وتُنفَّذ -بكل دقة-، في توقيتات محددة محسوبة، بردود أفعال متوقعة منتظرة؛ ولكن أكثر الناس لا يفهمون، وإذا فهموا؛ لا يعقلون، وإذا عَقَلوا؛ لا يعملون!

وقد توعَّد الله -تعالى- من آذى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبغضه بأشد الوعيد، فقال -جل وعلا-: ﴿ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 3]، والشَّانِئُ هو: الكاره المُبْغِض، فالذي يبغض النبي -صلى الله عليه وسلم- لا بد أن يكون أبتر، والأبتر هو الأَقْطَعُ الأذل، الذي لا تقوم له قائمة، ولا يقوم له عزٌّ ولا رفعة، مهما حصل من الدنيا على تمكين ظاهر أو دولة بادية، فإن حقيقة أمره هي الذل والصغار، فضلاً عما ينتظره في الآخرة من العذاب الشديد، والخلود في النكال والجحيم.

فلا ينبغي لمسلم أن يغتر بظاهر لا حقيقة له، ولا أن ينخدع بتمكين لا دين له، فمهما مُكِّن كلاب الأرض من الأرض؛ فإنهم في ذل وصغار، وعقائدهم وأعمالهم تنادي عليهم بالخسران، فضلاً عما ينتظرهم في الآخرة ﴿ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ﴾ [القمر: 46].

ويقول الله -تعالى-: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 61]، ويقول -تعالى-: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً ﴾ [الأحزاب: 57]، فليس لهم في الدنيا إلا اللعنة والضنك والشقاء، وينتظرهم في الآخرة عذاب شديد مهين، خالدين فيه أبدًا، لا يجدون وليا ولا نصيرا.

وليس الضنك في أمور الدنيا -ولا بد-، ولا في أمور الاقتصاد -ولا بد-، ولا في أمور العسكرية والحرب -ولا بد-؛ وإنما الضنك في القلوب، وفي المعيشة، وفي الحياة؛ الضنك في نزع الأمن، الضنك في فُشُوِّ الفوضى والفساد، الضنك في فشو الفاحشة والرذيلة، الضنك في أن يتمنى أحدهم أن يتخلص من حياته، فمنهم من يقدم على الانتحار، وهناك طرق لتطوير ذلك وتفعيله، يحسبون ذلك رحمة يتخلصون بها من ضنك معيشتهم وحياتهم؛ الضنك في أن يحيا الإنسان حياة البهيمة، لا فرق بينه وبينها، يتسافدون في الطرقات، ويتهارجون تهارج الحمر؛ هذا هو الضنك، هذه هي اللعنة، هذا هو الشقاء.

فلا ينبغي لأحد انتسب إلى الإسلام أن يزعم أن هذا الأمر تقدم ورُقِيٌّ وحضارة ومدنية، ثم ينادي بتطبيقه في بلاد الإسلام؛ إنه الضنك كل الضنك، والشقاء كل الشقاء، واللعنة كل اللعنة، فهي لأهلها ومستحقيها، لا ينبغي لنا أن نتشبه بهم، ولا أن نقلدهم.

فالذي يؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متوعَّد بهذا الوعيد في الدارين.

وقد أجمع أهل العلم والملة على أن من سب النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو انتقصه، أو استهزأ به، أو تعرض لعرضه -بأي لون من ألوان التعرض-؛ فقد كفر -إن كان مسلما-، ووجب قتله -مطلقًا-، سواء كان مسلمًا -فارتد بفعله ذلك-، أم كان كافرًا.

هذه جملة مجمع عليها، دل عليها النص والإجماع: من انتقص النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد كفر -إن كان مسلمًا من قبل-، ووجب قتله -على كل حال-، على خلاف في الاستتابة من عدمها؛ ولكنهم أجمعوا على أن حده -في الأصل- هو القتل؛ وإن كان كافرًا، وإن كان معاهدًا، وإن كان ذميًّا[2].

من انتقص النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن كان ذميًّا معاهدًا؛ فقد انتقض عهده: لا ذمة له، ولا أمان له، ولا عهد له، ووجب قتله فورًا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس شخصًا عاديًا، تتقاذفه الألسن، وتلوك عرضه، وتتكلم فيه -كيفما شاءت-؛ إنه نبي رسول، له مكانة عظيمة، ومنزلة جليلة، اصطفاه الله -عز وجل- بتبليغ وحيه إلى الناس.

وهذا الأمر -أعني: ما ذكرته من الكفر والحد- في حق جميع الأنبياء، فمن انتقص نبيًا -مَنْ كان-؛ فعقوبته ومآله هو هذا: يكفر -إن كان مسلما-، ويقتل -مطلقًا-.

والأصل في قضية الكفر: قول الله -تعالى-: ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 65-66].

هذا هو الأصل في شأن الكفر: من سب نبيا أو انتقصه؛ فقد خلع رِبْقَةَ الإسلام من عنقه، وكفر بالله العظيم؛ وإن كان مازحا أو هازلا أو لاعبا، لا عذر في شيء من ذلك في أمر من نواقض الإسلام أبدًا، لا عذر بالهزل أو اللعب أو المزاح أو الهُراء من الكلام، فمن ارتكب نواقضا من نواقض الإسلام -وهو على حالة من هذه الحالات-؛ فلا يُعذر، وقد كفر بمجرد إتيانه هذا الناقض.

والأصل في قضية قتل السَّابِّ والمنتقص: أحاديث عدة، منها:

حديث ابن عباس -رضي الله عنه-: أن رجلا أعمى كان له أم ولد[3]، وكانت تسب النبي -صلى الله عليه وسلم- وتنتقصه، وكان ينهاها فلا تنتهي، حتى كانت ذات ليلة، فوقعت في النبي -صلى الله عليه وسلم- كدأبها، فأخذ سيفا له صغيرا، فوضعه في بطنها حتى قلتها، فلما أُخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، قال: «اشهدوا أن دمها هَدَرٌ»[4].

أهدر دمها، ولم يرتِّب على ذلك دية ولا كفارة ولا قصاصا ولا شيئا؛ لأنها سبت النبي -صلى الله عليه وسلم- وانتقصته.

ومن ذلك: قصة كعب بن الأشرف، وكان يهوديًا وَادَع النبي -صلى الله عليه وسلم- في جملة من وادعه من يهود، ثم كان منه أن هَجَى النبي -صلى الله عليه وسلم-[5]، وشبَّب بنساء المسلمات، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «من لكعب بن الأشرف؛ فإنه آذى الله ورسوله؟»، فانتدب له محمد بن مسلمة -رضي الله عنه-، وذهب وقتله -في قصة معروفة-[6].

فهذا هو النص الذي يؤصل للمسألة، وعليه أجمع أهل العلم.

فمن انتقص نبيا من الأنبياء -بأي صورة، بالقول أو الفعل-؛ فقد كفر -بعد إسلامه-، ووجب قتله -وإن كان معاهدًا ذميًا مستأمنا-.

هذا هو أصل الحكم الشرعي في المسألة، الذي يجب أن يُبَيَّن؛ نصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم؛ من غير لَفٍّ ولا دوران، ومن غير سلوك للطرائق السياسية، ومن غير تتبع لأهواء الناس، ومن غير نظر في المصالح والمفاسد؛ بكل وضوح، هذا هو الحكم الشرعي الذي يجب أن يُبَيَّن للمسلمين؛ حتى تُحفَظ عقيدتهم، وحتى يعرفوا دينهم، ويتعلموا أحكامه، ويعرفوا عقوبة من انتقص نبيهم -منهم أو من غيرهم-.

ثم يأتي -من بعد ذلك- بيان الموقف الشرعي من هذه الحادثة التي حدثت.

موقفنا الشرعي -إخوة الإسلام-:

أولاً: معرفة ما سبق بيانه من الحكم الشرعي؛ هذا لا بد منه، إذا حلت النازلة، ووقعت الواقعة؛ فلا بد من بيان حكم الشريعة -أولا، وقبل كل شيء-، قبل أن نخوض في واقع، أو حادثة، أو ظروف، أو غير ذلك؛ لا بد من بيان الحكم الشرعي.

ثانياً: لا بد من إحياء عقيدة الولاء والبراء، التي لا فرق فيها بين كافر وكافر؛ فالكفر -في هذا الصدد- كله ملة واحدة، لا بد من البراءة من الكفر وأهله -مَنْ كانوا، وأيّاً كانوا، ومهما كان موقعهم-، سواء كانوا محاربين، أم مستأمنين، أم ذميين، أم غير ذلك؛ الولاء والبراء لا يفرق بين هذه الأصناف، وإنما الفروق بينهم في التعاملات: في حقن الدماء، وحفظ الأموال، وحفظ الأنفس، والتعامل الدنيوي؛ يُفرَّق في هذه الأشياء بين هذه الأصناف، وأما في الولاء والبراء؛ فلا؛ خلافا لأهل الجهل والضلالة، الذين يفرقون في نفس الولاء والبراء بين المحاربين وغيرهم؛ هذا قول لا أصل له، لم ينزل الله به سلطانا، وهو خرق للإجماع، لم يقل به عالم قط.

الولاء والبراء الذي يتعلق بالمعتقد والمنهج والديانة: أن تبغض الكفر وأهله، وتعادي الكفر وأهله، وتتبرأ من الكفر وأهله؛ أن تكفِّر الكفار، وتعاديهم لدينهم، وتبغضهم لعقيدتهم، وتتبرأ منهم ومن صنائعهم، وتعاملهم -بما يترتب على ذلك- من عدم تصديرهم في المجالس، وعدم توليتهم لأمور المسلمين، وعدم مبادرتهم بإلقاء السلام عليهم، وعدم أكل ذبائحهم -سوى الكتابيِّين-، إلى غير ذلك؛ هذا لا فرق فيه بين كافر وغيره -أبدًا-.

فلابد من إحياء هذه العقيدة؛ لأنها تموت في قلوب المسلمين -الآن-، صار المسلم -الآن- لا يجد غَضَاضة في أن يتولى عليه نصراني!! صار المسلم -الآن- لا يجد حرجًا في أن يكون عاملاً خادمًا لنصراني!! أي شيء هذا؟! ثم يأتي -من بعد ذلك- من يقول: هؤلاء ليسوا محاربين!! جهل في جهل، وعماية في عماية، وضلالة في ضلالة!! إنها السياسة -يا عباد الله-؛ فافهموا!!

لا فرق -في الولاء والبراء- بين كافر وكافر، ولا مشرك ومشرك؛ لا بد من إحياء هذه العقيدة، ولا بد من العمل بها، لا بد أن نعتقد اعتقادا جازما أن كل من دان بدين سوى الإسلام فهو كافر، لا حظ له في الإسلام ولا الإيمان -مطلقا-، ليس أخا لنا، وليس قريبا لنا في الديانة، وليس مؤمنا مثلنا، وليس يعبد الله كما نعبده؛ هذا كله باطل، وكفر، لا أصل له في دين الإسلام؛ لا بد أن نعتقد هذا، ولا بد أن نتبرأ منهم ونبغضهم، لا يجوز أن نتخذهم أصدقاء، ولا أَخِلَّاء، ولا نُدَماء، لا يجوز أن نتودد إليهم، لا يجوز أن نعقد معهم العلاقات والمصادقات؛ فضلا عن أن نتخذهم أولياء لنا، يتحكمون في أمورنا، ويتولون مناصبنا؛ هذا كله لا يجوز، لا بد من إحياء هذه العقائد، ولا بد من تعميقها في نفوس المسلمين.

ثالثًا: يقول الله -عز وجل-: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾ [آل عمران: 31]، فالذي يحب الله -عز وجل- لا بد أن يتبع النبي -صلى الله عليه وسلم-، والذي يحب النبي -صلى الله عليه وسلم- لا بد أن يتبعه كذلك، ولا بد أن يتمسك بسنته، ويهتدي بهديه؛ فأين ذلك الآن؟!

إنها شعارات وعبارات، ما أسهلها على اللسان! وما أيسرها في القول والبيان! ولكن الشأن كل الشأن في هذه المحنة -﴿فَاتَّبِعُونِي﴾-.

فيا من تحب النبي -صلى الله عليه وسلم- وتريد نصرته؛ أين اتباعك له؟! أين اهتداؤك بهديه؟! أين معرفتك بسنته -في الاعتقاد والقول والعمل-؛ بل حتى في المظهر؟! أين هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في شكلك؟! أين هديه في ملبسك؟! أين هديه في سلوكك وأخلاقك وتعاملك؟!

فالذي يدعي نصرة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومحبته، وهو أبعد الناس عن سنته -اعتقادا أو قولا أو عملا-؛ كيف يُصدَّق في دعواه؟! وكيف يوثق به؟! وكيف يستجاب به؟! ماذا يعرف عن السنة في العقيدة؟! ماذا يعرف عن السنة في الأعمال والتكاليف الشرعية؟! ماذا يعرف عن السنة في الأخلاق والتعاملات والسلوكيات؟! ماذا يعرف عن السنة في المأكل والمشرب والملبس؟! أم هي مجرد دعاوى ومطايا تُتخذ لأغراض؟! والكل لا يفهم -يا عزيزي-، ولا ينتبه لشيء!! وكل شيء يروج!! أهم شيء أن نقول: «إلا رسول الله»، ثم تجد أمامك أو خلفك الملايين والألوف!!

«إلا رسول الله»!! أين هذه الكلمة في عمل المسلمين؟! أين هذه الكلمة في واقع المسلمين؟! وإن كانت تشتمل على خطإ لفظي ظاهر؛ ولكن يقال لمن أراد بها معنى صحيحا: أين واقعها؟! أين عملها؟! أين تطبيقها؟! أين تنفيذها؟!

سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- الآن تُتخذ هزوًا، لا يقف الأمر عند الكفار في الاستهزاء بالسنة، أو إنكارها، أو عدم العمل بها؛ بل بين ظَهْرَانَيْنا أناس يفعلون هذا، ويقولون به، ويدعون إليه؛ بين ظهرانينا أناس ينكرون السنة، ويهجرونها، ويدعون إلى نبذها وتركها؛ بين ظهرانينا أناس يدَّعون أن السنة تخلف وتشدد، وتعمق وحماقة، لا تليق بهذا العصر ولا بهذا الأوان!! أين مواجهة هؤلاء؟! أين مجابهتهم؟! أين الذب عن السنة؟! أين الذب عن الشريعة؟! كل هذا لا وجود له!!

هذه هي خلاصة موقفنا -عباد الله-:

نعرف حكم الشريعة في نازلتنا، ونحيي عقيدة الولاء والبراء، وننصر النبي -صلى الله عليه وسلم- باتباعه، والتمسك بهديه وسنته؛ وكل ما سوى ذلك لا حظَّ له في الشرع أو في الواقع -كما سأبينه إن شاء الله-.

نسأل الله -تعالى- أن يقينا الفتن كلها؛ أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

* الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين -كالمبتدعة والمشركين-، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

إخوة الإسلام! إن الناس تتباين مواقفهم تجاه هذه النازلة، وتتعدد ردود أفعالهم، وكل يدعي وصلا بالشرع والديانة؛ ولكن الدعاوى -ما لم تقم عليها أدلة- أبناؤها أدعياء.

* فمن الناس من يقول: موقفنا في التهييج على الحكام، ورميهم بالتقصير والتخاذل والمهانة.

وهذا موقف غير شرعي؛ بل أمرت الشريعة -كما سبق بيانه مرارا[7]- بلزوم طاعة الحكام والأمراء، وتحريم الخروج عليهم ونَكْثِ بيعتهم -بأية صورة-، ولا شك أن التهييج عليهم، وتثوير الناس عليهم، ونشر مثالبهم ومعايبهم: يدخل تحت الخروج، ولا يُنتظر من حكامنا أكثر مما صنعوا، سواء تكلمنا على موقف رئيسنا -وفقه الله- أو غيره، لا يُنتظر منهم أكثر من ذلك -من الناحية الظاهرة، من ناحية ردود الأفعال أو التصريحات -كما يقال-، وهناك أمور أخرى نَكِلُها إليه، والله يحاسبه عليها، لسنا مكلفين بها، والمقصود هنا: أن نبين أن الحاكم لو قصَّر، أو تخاذل، أو فرط في شيء يجب عليه؛ فإن هذا ليس ذريعة ولا وسيلة ولا سببا إلى الخروج عليه، ولا تهييج الناس وتثويرهم وحشدهم ضده؛ هذا منهج ليس شرعيا، وليس من الإسلام -في قليل ولا في كثير-.

* ومن الناس من يقول: موقفنا في المظاهرات، والاعتصامات، والاحتشاد أمام السفارات؛ بل اقتحامها -إذا لزم الأمر-، وقتل السفراء -إن لزم الأمر-.

وهذا -أيضًا- ليس شرعيا، وليس من دين الإسلام، وما أحسن قول يوسف -عليه السلام-: ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذاً لَّظَالِمُونَ ﴾ [يوسف: 79]؛ فما ذنب السفراء؟! وما ذنب الرعايا المعاهدين أو المستأمنين؟! وكيف يُنصَر النبي -صلى الله عليه وسلم- بمخالفته وعصيان أمره؟! إنه هو القائل: «من قتل معاهَدا؛ لم يَرِح رائحة الجنة»[8].

وإنما الذي ذكرته -آنفا- في حق من باشر السب، وقام بالسخرية والانتقاص؛ فهل هم فعلوا ذلك؟! هل السفراء هم الذين سبُّوا؟! هل الرعايا هم الذين انتقصوا؟! ومن فعل شيئا من ذلك منهم؛ فالذي يتولى عقوبته السالفة هو ولي الأمر، لا نحن؛ ما قلته -آنفا- من أن السَّابَّ يقتل -وإن كان معاهدا ذميا-؛ فهذا لا يباشره إلا ولي الأمر، لا يقوم به آحاد الناس، فلا ينبغي أن يُصنع هذا أبدا، ليس هذا من سماحة الإسلام، ولا من أخلاقه، ولا من مبادئه، ولا من تعاليم نبيه -صلى الله عليه وسلم- الذي ننتصر له الآن،ليس لهؤلاء ذنب -مطلقا-،ولا يجوز أن يتعدى عليهم -مطلقًا-؛ بل هذا الذي يحدث -مع مخالفته للشرع- خادم لأهداف العدو!!

استيقظوا! تنبهوا! هذا الذي يحدث مقصود، ومخطط له، وأهدافه واضحة، لم يأت هكذا اتفاقًا من غير قصد؛ كلا، هذا خُطِّط له الآن، في هذا التوقيت، حتى يصنع الناس ما يصنعونه الآن، وحتى يحصل في ليبيا ما حصل، ويحصل في مصر ما حصل، ويحصل في اليمن ما حصل؛ هذا مقصود، إنهم يريدون التدخل في بلادنا -بأي شكل-، وإن لم يتسنَّ لهم التدخل بالصورة العسكرية؛ فلا أقل من التدخل بالصورة السياسية أو الاقتصادية، وتعرفون ما يجري في أمريكا من الانتخابات، فهذا كله يصب في مصبهم، ويخدم أهدافهم؛ فانتبهوا!!

هؤلاء الذين يتواجدون أمام السفارة؛ ما صلتهم بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؟! ماذا يعرفون عنه؟! روابط مشجعي كرة القدم!!! ما شاء الله!! هم الذين ينتصرون للنبي -صلى الله عليه وسلم-!! هم الذين يحتشدون حول السفارة، ويكتبون على حوائطها: «إلا رسول الله!»، هؤلاء؟!! الذين قد يكون أحدهم تاركا للصلاة، أو زانيا، أو فاجرا، أو ملحدًا -لا يؤمن بديانة أصلا-؟!

افهموا -يا عباد الله-! تنبهوا لهذه المخططات! تنبهوا لهذا الطرف الثالث -أيّاً كانت صفته-، أيّاً كان أصله: يعود إلى النظام السابق، أو «الطواغيت» -بزعمهم-، أو أمريكا، أو اليهود؛ أيّاً كان، هناك طرف يسعى لتخريب البلاد.

سؤال أطرحه: إلى متى تظل صورة الاعتداء على رجال الأمن؟!!

انتبهوا لخطورة هذا! هذه الصورة التي تتكرر منذ سنتين: صورة مقصودة، يُقصد نزع هيبة رجال الأمن من قلوب الناس، يُقصد ألا يكون للناس ضابط ولا رابط، وأن يتجرأ المجرمون على رجال الأمن؛ هذا كله مقصود، ثم يقولون بعد ذلك: أمن الدولة، والشرطة، وكذا، وكذا.

سيأتي يوم -أقولها الآن-: سيأتي يوم نتحسر فيه على أيام أمن الدولة!! مهما كان ظلمهم وبغيهم وعدوانهم؛ ولكن الذي يحدث الآن له غاية مقصودة، وله هدف واضح لا بد أن ننتبه له، إذا سقطت هيبة رجال الأمن؛ فكيف لنا أن ننعم بالأمن؟! كيف لنا أن نسير في شوارعنا آمنين مطمئنين؟! كيف لنا أن نبيت على فُرُشنا آمنين مطمئنين؟! كيف تقوم الدنيا؟! وكيف يقوم الدين؟! هذا كله مقصود: أن يظل رجال الأمن بهذه المهانة، لا يستطيعون أن يطلقوا رصاصة واحدة -ولو بحق-!!

قضية قتل المتظاهرين: هذه قضية لها ضوابط، عندما نقول بعصمة الدماء، وأنه لا يجوز قتل أمثال هؤلاء؛ هذا له حدود؛ لكن أن يتطرق الأمر إلى مباشرة قتل رجال الأمن، ويُطلب منهم أن لا يدافعوا عن أنفسهم؛ أي شيء هذا؟! ثم يأتون بعد ذلك: الحرية، والديمقراطية!!

من تعرَّف تاريخ الغرب قديما؛ عرف أنهم كانوا على هذه الحالة، كان رجال الأمن يقبعون في مراكزهم، لا يستطيع واحد منهم أن يخرج لمعاقبة مجرم!! هذا كان موجودا في تاريخ الغرب -من قديم-، أيام العصابات، كانت العصابات تتجول في الشوارع، وأمام مراكز الشرطة، لا يستطيع أحد أن يتنفس؛ هذا هو ما يراد بنا الآن.

فانتبهوا -عباد الله-! واعرفوا خطورة ما نحن فيه! وهذا كله يحدث في هذا التوقيت، الذي يتولى فيه رئيس ينتسب إلى الاتجاه الديني؛ لأن المقصود ليس الرئيس، المقصود: الاتجاه الديني، المقصود: الإسلام -بالمعنى العام-، أن يُرمَى الإسلام بالقصور والتخاذل: ها قد أتاكم رئيس إسلامي؛ فخذوا ما توعدون!!

فافهموا هذا! افهموا حقيقة ما نحن فيه! هذا الذي يحدث مخالف للشرع -ابتداءً-، ومخالف للواقع -أيضًا-؛ لأن شريعتنا لا تأتي إلا بالرحمة والحكمة، ليس في شريعتنا فوضى ولا فتن ولا فساد -أبدًا-، شريعتنا تأتي بحفظ مصالح الناس، ودرء الفتن والشرور والمفاسد عنهم، فمن نسب شيئا من ذلك إلى الشريعة؛ فهو أعظم الناس جناية عليها، أعظم الناس جناية من قال: إن المظاهرات من الإسلام، ومن قال: إن الاعتصامات من الإسلام، ومن قال: إن الثورات من الإسلام؛ هذا أعظم الناس جناية على الإسلام.

فهل من مُدَّكر؟! وهل من متعظ؟! أم أننا لا نقول هذا الكلام إلا في هذه الأيام؟! الآن نقول: الاعتصامات ليست من الإسلام، والاعتصامات تضر مصالح الناس، وعليكم بالهدوء، وعليكم بالسكينة؛ الآن نقول هذا الكلام؟!

فهذا الذي يحدث ليس منهجا شرعيا، وليس موقفا إسلاميا، ولا يجوز لأحد أن يبرره أو يسوغه.

* ومن الناس من يقول: موقفنا في المقاطعة، نقاطع التعامل مع الكفار.

فنقول: المقاطعة الاقتصادية -في أمور البيع والشراء- مردها إلى ولي الأمر، فإذا حكم ولي الأمر بذلك؛ فنحن نتبع؛ لأن هذه المسائل تخضع للمصالح والمفاسد، وهناك كثير من المسلمين الذين يعملون في هذه المجالات، وهي مجالات مباحة؛ لا أتكلم على التعامل المحرم، هذا مفروغ منه؛ لكن أتكلم على التعامل المباح، في البضائع المباحة، كثير من المسلمين يعملون في هذا المجال، فلو أطلقنا القول بالمقاطعة -هكذا-؛ لتضرروا، وقد أجمع أهل العلم على أن إنكار المنكر لا يجوز -إذا تعدى إلى الغير-، لا يجوز لي أن أنكر منكرًا، ويترتب على ذلك أن أضر غيري من الناس، هذا لا يجوز -إجماعًا-؛ ولهذا رُدَّت المسألة إلى ولي الأمر؛ لأنه أدرى بمصالح المسلمين، هو الذي يعرف هذه المجالات، ويعرف -إذا قام بالمقاطعة الاقتصادية- متى تضر المسلمين أو تنفعهم؛ لأن الأمر لا يتعلق بصالح الكفار؛ بل بصالح المسلمين.

والمقاطعة الاقتصادية -في الأصل- مستحبة، ليست واجبة؛ ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أقر المقاطعة -فعلا- في حادثة ثُمامة بن أُثَال[9]، وثبت عنه -أيضًا- في وقعة تبوك -بعدما عاد منها- أنه أقر تجار الكفار على الدخول في المدينة، والبيع والشراء فيها[10]؛ فالذي يقتضيه الجمع بين الأدلة: أن المقاطعة الاقتصادية ليست واجبة، ومن أوجبها؛ فقد أخطأ، ليس معه دليل.

ثم ما بالُنا نتكلم عن المقاطعة الاقتصادية، ونغفل المقاطعة الفكرية؟! ما الفائدة لو أننا قاطعنا مأكولا أو مشروبا أو نحو ذلك، ونحن نجلس أمام تلفازاتنا نتلقى الأفكار، والسلوكيات، والعادات، والتقاليد؟! أفليس هذا أولى بالمقاطعة -يا أرباب العقول-؟! يا من تتكلمون في المقاطعة الاقتصادية؛ هَلَّا كلمة واحدة تحثون بها المسلمين على المقاطعة الفكرية!! نقاطع أفكار الكفار، نقاطع دينهم، وأفلامهم، ومسلسلاتهم، وأغانيهم؛ هذا أولى بالمقاطعة -يا عباد الله-، والوصل مع هذه الأشياء أوقع في النفس -بكثير- من الوصل في البضائع المباحة.

فمن الذي يعقل هذا؟! ومن الذي يفهمه؟! ومن الذي يبينه للناس؟! ما أشد غربة الإسلام! وما أشد غربة الحق!

فالمقاطعة الاقتصادية هذا حكمها -كما بينته لكم-، ومن تكلم فيها؛ فعليه أن يتكلم في مقاطعة أكبر منها وأولى منها.

* ومن الناس من يقول: الموقف في الجهاد، في سَلِّ السيوف في سبيل الله.

وهذا -لَعَمْرِي- في أصله هو الواجب!!

لقد أجمع أهل العلم على أن جهاد الطلب -جهاد الكفار في ديارهم- فرض كفاية، ولا بد أن يقوم به الإمام، حتى قال أهل العلم: ينبغي له ألا يخلي سنة من جهاد -إلا لضرورة-؛ هذا هو المسطَّر في كتب الفقه والشريعة، الذي نذكره الآن -على وجه الحكاية-؛ لأنه لم يعد موجودًا!!

فكيف إذا كان هؤلاء الكفار معتدين؟! كيف إذا كانوا متنقصين للنبي -صلى الله عليه وسلم-؟! كيف إذا كانوا محاربين للإسلام؟!

فهذا -لعمري- في أصله صحيح؛ ولكن أجمع أهل العلم -أيضًا- على أن الجهاد مَنُوطٌ بالقدرة والاستطاعة، وأصل ذلك في قول الله -تعالى-: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم ﴾ الآية [الأنفال: 60]، وأجمعوا -أيضا- على أن الجهاد منوط بولي الأمر، لا يجوز لأحد أن يتعداه ولا يَفْتَئِت عليه في ذلك، فإذا فرط فيه؛ فأمره إلى الله، يحاسبه الله عليه.

فلو أن أهل الحماسة قالوا -الآن-: نجاهد، وقالوا: نسل السيوف؛ فليس الجهاد -الآن- جهاد تلك الطائفة من العلوج، الذين فعلوا ما فعلوا، وإنما الجهاد -الآن- جهاد الغرب -كَكُلٍّ-؛ بل جهاد العالم، يمكن أن يحدث هذا[11]؛ فإن القضية قضية دينية عقدية، لا يجاهدوننا ولا نجاهدهم لأجل الأرض -كما قال بعض الضُّلَّال قديما، وقلدهم بعض الضُّلَّال حديثا-، ليس جهادنا لأجل الأرض، ليست عداوتنا لأجل الأرض، ليس جهادنا لأمور سياسية أو اقتصادية أو لتحصيل مكاسب دنيوية، وإنما جهادنا وقضيتنا لأجل الدين.

فإذا سُلَّت السيوف، وقيل: يا خيل الله اركبي؛ فهذا أمر ليس باليسير؛ أين الإعداد العقدي؟! أين الإعداد المنهجي؟! أين الإعداد الشرعي -قبل أن يأتي الإعداد المادي بالسلاح والعتاد-؟!

فلا مجال في ديننا لحماسة، ولا لعاطفة، ولا لأمور ملتهبة، ولعل «القاعدة» تقوم بـ«غزوة» أخرى[12]!! الله أعلم؛ لكن المقصود هاهنا بيان الحكم الشرعي في هذه المسألة، فالجهاد له شروط وقيود وضوابط، لا مجال في هذه المسائل الحساسة لشيء من العاطفة والحماسة.

هذا هو الموقف الشرعي -إخوة الإسلام-، وهذه هي المواقف التي تضاده، التي تخالف الشرع -إما في الأصل، وإما من جهة الواقع-، لا بد أن نعرف كل هذا، لا بد أن نعرف المعروف، وننكر المنكر.

والحرب مستمرة وباقية؛ لأنها حرب دينية، لا تستغربوا إن تكرر هذا -بعد ذلك-، لا تستغربوا إن أتت أمور أخرى -من الداخل أو من الخارج-، إنها حرب مقصودة، إنه مخطط مقصود ومُمَنْهَج، الآن عرض النبي، وغدا عرض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-!! أكرر: الآن عرض النبي، وغدا عرض أزواج النبي وأصحابه، وقد ذكرت هذا من قبلُ -إشارةً-، المنشورات تُوزَّع بسَبِّ عائشة ومعاوية، والطعن في عرض النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهناك قنوات تلفزيونية للتشييع، وهناك أُسَرٌ بالكامل تشيَّعت في مصر؛ فاعرفوا هذا، وكل شيء له وقته وأوانه.

نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجلي عنا الفتن، نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يجنبنا الفتن -ما ظهر منها وما بطن-، اللهم جنبنا الفتن -ما ظهر منها وما بطن-، واحفظنا من مكايد الأعداء -يا رب العالمين-، اللهم انتقم ممن أساؤوا لنبيك، اللهم انتقم منهم، اللهم أهلكهم بَدَداً، وأحصهم عددا، ولا تبق منهم أحدا، اللهم أرنا فيهم آية، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم انتصر لنا منهم في الدنيا قبل الآخرة -يا رب العالمين-، اللهم اشف صدورنا منهم في الدنيا قبل الآخرة -يا رب العالمين-، اللهم وفِّقنا لحسن الاتباع والاستقامة، اللهم اهدنا وردنا إليك ردا جميلا، اللهم اهدنا للدين الحق والاتباع الحق، من غير إفراط ولا تفريط، ومن غير تبديل ولا تغيير، وتوفَّنا على ذلك
-وأنت راضٍ عنا يا رب العالمين-.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.



[1] تفريغ لخطبة الجمعة 25/شوال/1433، الموافق 14/9/2012، مع تعديلات تناسب المقام.

[2]هذا خلاصة ما بسطه وحرره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في «الصارم المسلول على شاتم الرسول».

[3]أي: جارية مملوكة، وَطِئَها، فولدت له.

[4] رواه أبو داود، والنسائي، وغيرهما؛ وصححه الألباني في «الإرواء» (5/92).

[5] أي: انتقصه بشِعْره.

[6] رواه البخاري (2510، ومواضع)، ومسلم (1801) من حديث جابر -رضي الله عنه-.

[7] والخطب والمقالات في ذلك منشورة على الموقع.

[8] رواه البخاري (3166، 6914) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-.

[9] وهي مخرجة عند البخاري (462، ومواضع)، ومسلم (1764) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

[10] وهذا موجود في قصة كعب بن مالك -رضي الله عنه-، وهي عند البخاري (2757، ومواضع)، ومسلم (2769).

[11] المقصود: أنه لو انتدب أحد لجهاد تلك الطائفة التي انتقصت النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فسيتصدى له الكفار أجمعون في شتى بقاع العالم.

[12] المقصود: تنظيم «القاعدة»، فلعلهم يقومون بـ«غزوة» أخرى كـ«غزوة» مركز التجارة العالمي!!

لتحميل الخطبة منسقة وبصيغة بي دي أف، اضغط هنا

   طباعة 
0 صوت
روابط ذات صلة